"الرجل بالرغم من قوته و سطوته و هيلمانه غلبان . إنه قوام على المرأة .
وصى عليها سابق عليها فى الشهادة . وفى الميراث وفى الاعتبار إمبراطور على بيتها
يحكم فيه ويعز و يذل ويهدمه إن شاء بكلمة من فمه ولكنه يعلم أن كل هذه السطوة
والسيادة خرافية . وأنه إمبراطور غلبان على دولة وهمية من ورق اللعب ..
إنه فى احتياج إلى المرأة . مهما فعل وهذا الاحتياج يقلم أظافره ويخلع أنيابه ويروض
وحشيته ويعود به وديعا ذلولا طيعا حانيا على صدر امرأته ..
وماذا يجدى الصياح والصراخ و الهدير والزئير . ولقلب من الداخل يتمسح كالقطة
إنه فى حاجة الى المرأة ليبنى حبا ..
فى حاجة إليها ليبنى بيتا ..
فى حاجة إليها ليكون ربا لأسرة ..
وهو يدرك هذا الضعف فى نفسه ويقاومه ..
ويحاول الخلاص من رقبته .. فيتخذ من المرأة زميلة أو صديقة أو عشيقة أو خليلة .
ويتجنب الوقوع فى شرك الزواج حتى لا تصبح حاجته طابع حياته كلها ..
إنه يتجنب الوقوع فى الاحتياج الدائم .. بالوقوع فى الاحتياج المؤقت .. يشبعه من
وقت لآخر بكلمة أو وعد بالحب أو قبلة أوساعة فراش ثم يذهب كل واحد منا إلى
حاله بدون أمل وبدون خيبة أمل
والخوف . الخوف وحده هو الذى يجعله يتردد ..
ويؤخر زواجه سنة بعد أخرى .. الخوف من ضعفه والخوف على قوته .. والخوف
على أوهامه ..
إن الزواج مجازفة تقتضى من الرجل كل شجاعته ..
إن الرجل يضحى بحريته وراحة باله فى سبيل إقامة بيت لا يعرف مصيره وعزاؤه
الوحيد .. هو هذا الزعم الخرافى بأنه سوف يصبح عبدا لألف حاجة وحاجة وألف طلب
وطلب و خادما لأصغر فرد فى هذه الأسرة ..
ولهذا يتردد الرجل فى الزواج ليس لأنه شاطر وليس لأنه ناصح ولكن لأنه يعلم أنه
خيبان ولأنه لا يريد أن يحتفل بخيبته ..
إن الرجل فى حقيقته ليس إمبراطورا وليس ربا لأسرته ولكنه عبدا لهذه الأسرة وخادما
لأصغر فرد فيها ..
خادم لا يطلب إلا الأمان والاطمئنان بأفدح الأثمان ..
..
من كتاب " في الحب و الحياة"
د مصطفى محمود رحمه اللَّه