(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا) أي يُنشئ سحاباً من البحار ثم يسوقه إليكم فكلمة
"يزجي" معناها يسوق ، ومن ذلك قول جرير :
يا أيّهَا الرّاكِبُ المُزْجي مَطيّتَهُ ..... بَلِّغْ تَحِيّتَنَا لُقّيتَ حُمْلانَا
(ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي يجمع بينه وتدلّ هذه الكلمة على أنّ السحاب فيه تجاذب فالجديد
منه المرتفع من البحار يجذب القديم ، لأنّ السحاب الجديد يكون ساخناً والقديم يكون
بارداً ، فالساخن منه يجذب البارد (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) أي كثيراً متراكماً بعضه فوق
بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر القريب من الأرض ، من ذلك قول الشاعر :
فلا مُزنةٌ ودقتْ ودْقَها ولا أرض أبقَلَ إبقالها
وقالت الخنساء :
حامي الحقيقةِ بسّالُ الوديقةِ معتاقُ ..... الوسيقةِ جَلدٌ غيرُ ثنيانِ
فقولها بسّال الوديقة، يعني يعزل من كانت قريبته فينجيها من أسر الأعداء .
(يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) يعني من خلال السحاب وينزل إلى الأرض (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ)
أي من الفضاء من الطبقات الغازية (مِن جِبَالٍ فِيهَا) أي في السماء ، وهي السحب
ومنها يتكون البرد وهو ما يسمى عند العامّة "حالوب" في أوقات معينة وغالباً في
فصل الخريف وذلك قوله تعالى (مِن بَرَدٍ) أي بالبرد (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد (مَن
يَشَاءُ) إتلاف زرعه (وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ) ضمير الهاء من "برقه"
تعود للسحاب ، والمعنى لمعان الشرارة الكهربائية شديدة الإنارة حين تكوينها بالسحاب
يكاد لمعانها (يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) لقوته وشدته وبريقه في الظلام . و"السنا" هو الشعاع
والنور ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
أصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيْكَ وَمِيْضَـهُ ..... كَلَمْـعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّـلِ
يُضيءُ سَناهُ أو مَصابيحُ راهِبٍ ..... أمالَ السَّليطَ بالذُّبالِ الْمُفَتَّلِ
وقال عنترة :
شبيهُ اللّيلِ لوني غيرَ أَنّي ..... بفعلي منْ بياضِ الصُّبح أَسنَى
وقال أبو سفيان بن الحارث :
يَدعُو إلى الحقِّ لا يَبغي بهِ بَدلاً ..... يجلو بضوءِ سناهُ داجِيَ الظُلَمِ