من المعروف عند كثيرين أن القاعدة اللغوية تفترق عن القاعدة النحوية فالقاعدة
اللغوية هي التي تحكم اللغة ، والقاعدة النحوية هي التي تحكم اللسان ، هنا نعرض
ـ بإذن اللـه تعالى ـ قاعدتين لغويتين وردتا في القرآن الكريم .
قال تعالى : ﴿ واذكر اسم ربـّك وتبتـّل إليه تبتيلا ﴾ من سورة المزمل : 73 / الآية 8 .
الفعل تبتـّل) مصدره( تبتّلا ) مثل( تكلّم ـ تكلما ، تحصّن ـ تحصنا ، تنبّه ـ تنبّها ) .
والفعل : ( بتـّل ) مصدره : ( تبتيلا ) ، مثل : ( كلّم ـ تكليما ، حصّن ـ تحصينا ، نبّه
ـ تنبيها ) .
هذا يعني أن النص القرآني الكريم استعمل فيه الفعل ( تبتـّل ) مع مصدر الفعل الآخر
( تبتيلا ) ؛ لأن الفعل ( تبتـّل ) ( تبتلا ) وليس ( تبتيلا ) .
كانت العرب إذا سلكت هذا النمط من الاستعمال فإنها تقصد به التدرج في الحكم المنصوص
عليه في النص ، والفعل : ( تبتـّل ) يعني ( تعبّد ) ، وبما أن العبادة لا تأتي مرة واحدة
وإنما هي سلوك يمارسه المتعبد بالتدريج لذلك جاء معبرا عنه بهذا النمط ومن هنا وضعت
القاعدة اللغوية : ( إذا استعمل مصدر لفعل مع فعل آخر يشترك معه في الجذر المعجمي
للكلمة ( ب ت ل ) فإن ذلك يفيد التدرج في الحكم المقصود في النص ، ومعنى النص :
( انقطع إلى اللـه عما سواه بالعبادة انقطاعا يختص به واستغرِق في مراقبته ) ..
ومن هذا المعنى قوله تعالى:﴿واللـه أنبتكم من الأرض نباتا ﴾ من سورة نوح : 71 / الآية
17 لأن الفعل : ( أنبت ) مصدره : ( إنبات ) وليس : ( نبات ) ؛ لأن : ( نبات )
مصدر للفعل : ( نبت ) ، فكما أن النبات لا ينبت ويكبر ويثمر مرة واحدة ، كذلك العبادة .