قامت مملكة الرها بين القسم الشمالي لبلاد ما بين النهرين العليا والقسم الاعلى من
الجزيرة الفراتية . جاورها نهر دجلة من الشرق ونهر الفرات من الغرب واخترق
أطرافها الغربية نهرا الخابور والبليخ . كانت أرضها خصبت لكثرة الامطار الغزيرة
في فصلي الشتاء والربيع . كثرت فيها المرتفعات والتلال والوديان .
تبرز مدينة الرها ، عاصمة المملكة ، بين شقيقاتها من مدن الجزيرة الفراتية بسبب
موقعها ونشاط أهلها كانت تقع عند تقاطع الطريق التجاري الممتد من سميساط حتى
حران . مرت فبها طرق التجارة الكبيرة التي امتدت احداها من الفرات عند زوكا
بلقيس وبيرتابيرة مروراً بماردين ونصيبين وصولاً الى دجلة حيث كانت تمر قوافل
التجارة المتجهة غرباً الى أسيا الصغرى واوروبا .
تعددت اسماء الرها في العصور القديمة . فالسريان دعوها اورهاي واطلق عليها
اليونانيون اسم أديسا وعندما أعاد بناءها سلوقس الاول سماها خليفته انطونيوس
الرابع أبيقان ، نسبة لوفرة مياهها . وهي الآن أورفة .
هاجر العرب الى منطقة الرها منذ ما قبل الفتح العربي بزمن ليس بقصير . وكانت طي
اليمنية الأصل ، أبرز قبيلة ارتادت بواديها . وشاعت آنذاك الاسماء العربية بين أهلها
مثل معن ، وائل ، عبدو ، بكر ، مذعور ، أبجر وصخرة . أسكن فيها سلوقس الاول جالية
اغريقية ، مما سهل نشر الثقافة الهلنستية بين السكان وسكت النقود على الطراز الاغريقي
وكتب عليه بالاغريقية .
أعلن الرهاويون استقلال دولتهم في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وأطلقوا عليها اسم
"دولة الاباجرة " التي بسطت نفوذها على الاراضي المجاورة ووصلت الى نهر الفرات
غرباً ونهر دجلة شرقاً وارتبط الرهاويون في اواخر القرن الاول الميلادي برباط المصاهرة
مع الاسرة الأديابية الحاكمة في نصيبين . غير ان هذا الاستقلال تعرض لاكثر من خطر
من جيرانهم وسواهم : من الأرمن والفرس البارثيين والرومان . الا ان علاقتهم مع المستعمر
الروماني كانت الافضل والاسهل . فقد حرص ملوك الرها على اقامة علاقات جيدة معهم
حفاظاً على تجارتهم ، وقد نجحوا في ذلك . غير ان هذا الوضع أغضب الفرس فهاجموا
مملكة الرها وانتصروا على ملكها في معركة كاراهاي(وهي شروان الواقعة قرب بحر الخزر)
وازالوها سنة 242 م . بدوره لم يطل الاحتلال الفارسي . فقد استعاد الرومان الرها وحولوا
المدينة الى قاعدة عسكرية . ورد الفرس بشن هجمات متواصلت على الرها مما أضر كثيراً
بتجارتها خاصة ان تجارة الحرير كانت قد تناقصت بسبب تحول طرق التجارة غرباً الى البحر
الاحمر ، وقبام الرومان بتربية دود القز وانتاج الحرير وانشاء المصانع في القسطنطينية
لحياكته. ونتيجة لذلك تحول الكثير من تجار الرها الى اعمال اخرى ، فالتحقوا بادارة الدولة
او بالجيش .
شكلت الزراعة المصدر الاول للاقتصاد في الرها . ومن أهم مزروعاتها آنذاك : الكروم
والخضار واشجار الفاكهة والحبوب . وكانت الضرائب تجبى من المزارعين اما نقداً او
عيناً . والى جانب الزراعة شغل الصناع مكانة متميزة في الرها . وأدت التجارة دوراً
مهماً في تعزيز مكانة الرها وإنماء ثروتها . وكان معظم التجار من المحليين . وكان
الحرير أهم سلعة يتاجر بها هؤلاء التجار .