أين هي أعمارنا التي مضت؟ هل بقي منها شيء؟ وهل يرجع إلينا منها شيء؟ وهل
نشعر الآن منها بشيء؟... لقد سألت أناسًا تجاوزوا الستين والسبعين من أعمارهم:
كيف كانت أعماركم التي ولت فأجابوني والله لكأنها ساعة مرت في لمح البصر سنون
متعاقبة متتابعة متلاحقة متسارعة، فكأنها ومضة أو لمحة أو خطرة خطرت بالبال ثم
اضمحلت وانمحت
وعن وهب بن منبه: أن نبي الله نوح -عليه السلام- عاش ألفًا وأربعمائة سنة، وقيل:
وستمائة، فقال له ملك الموت: يا أطول الأنبياء عمرًا كيف وجدت الدنيا؟ قال: كَدَارٍ لها
بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر"(تفسير القرطبي، والسمعاني، وغيرهما)
فكيف بنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول عن أعمارنا:"أعمار أمتي ما بين الستين
إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)؟
وهكذا هي الدنيا، وهذا حالها دائمًا؛ كل ما له بداية لابد أن تكون له نهاية، فقد قدِم علينا
رمضان بعد أن انتظرناه شهورًا، وما أن دخل حتى انتصف فارتحل وتلك عادته كل عام،
بل تلك عادة الزمان نحن اليوم أحياء ننعى آباءنا وأجدادنا وغدًا نحن أموات ينعانا أولادُنا
وأحفادُنا... وما زالت تلك الدورة والحكاية تتكرر منذ أن أُهبط آدم على الأرض، وستظل
تتكرر إلى أن تقوم الساعة...