للشِّعر قيمة كبيرة في حياة الناس وله تأثير بالغ على أنماط حياتهم، ونتائج فكرِهم
وتوجُّهات سلوكهم؛ إذ إنه يعبِّر عن الأخلاق والعادات والأفكار، حسَنةً أو قبيحة.
وإن دينَنا الحنيف لم يَفصِل الإنسانَ عن مشاعره وشجون، بل أباح له البوح بأحاسيسِه
وكشْفِ الحجب عن أناته وخلجات فؤاده، ما لم يُخالف الشريعة السمحة بالقالب
أو المضمون.
ولذلك نجد نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يتذوَّق الشِّعر النظيف، ويَستنشِد الشُّعراء
ويدعو لهم ويشجِّعهم، ويقول: ((إن مِن الشِّعر لحكمة))؛ رواه ابن ماجه والبيهقي
وصحَّحه الألباني، وقال: ((وإن من البيان لسحرًا))؛ رواه البخاري.
ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل النساء يلطمْنَ وجه الخيل بالخُمُر
فيَبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظر إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال:
((كيف قال حسان؟))، فأنشده قول حسان رضي الله عنه:
عَدِمْنا خَيلَنا إن لم ترَوْها
تُثير النَّقعَ موعِدُها كُداءُ
يُنازِعْنَ الأعِنَّة مُصْعِداتٍ
تُلطِّمُهنَّ بالخمُرِ النِّساءُ
فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أَدخلوها من حيث قال حسَّان؛ مِن كُداء))
رواه البيهقي والطحاوي، وحسَّنه ابنُ حجر في "الفتح".
وقد تداول الناس القولَ في الشِّعر؛ مدحًا على الإطلاق، أو ذمًّا بلا استثناء، والحقُّ
ليس مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وإنما الشعر كالكلام؛ حسَنُه كحَسَنِ الكلام، وسيِّئه
كسيئه، فليس كلُّ شعر مقبولًا، كما أنه ليس كل شعر منبوذًا.
ألا وإن من الشعر المقبول المنشود: شِعر الحكمة، والدفاع عن الحق والمحقِّين
والعيش مع أفراح الناس وأتراحهم، ونَقْلها من النفوس إلى الطروس، برؤيةٍ
ثاقبة، وكلمة شفافة عميقة، ومعنًى مضيء، يَسيل من حسٍّ مرهف، ويَفيض من
قلب نابض، حاضر الوجدان في الوجود، يكتب بروح سامية، وعزمة متَّقدة صادقة
لا يُميلها عن مسيرتها المتألِّقة انفلاتٌ وميوعة، أو إغراء ورغبة دَنية.
ومِن مجالات ذلك الشِّعر المطلوب: شِعر الألم والأمل؛ فالشاعر المسلم الذي يوقن
أن عليه رسالة حمَّله إياها دينُه وموهبتُه، إذا نظر إلى واقع أمته وهي تسبح في
مآسيها، يَكتوي قلبه كمدًا ، فيَبْكيها بحروف لفَحها الحزن بحرِّه ، وخَنقها الشجى
بمُرِّه ومع ذلك الجرحِ الغائر فإنه لا يَظلُّ يسبح في محيطه متجرعًا اليأس بل يخفِّف
الأسى بأضواء مِن التطلُّع إلى المستقبل؛ بإنشاده المتفائل الذي يَقتحِم دياجير الدجى
فيَلد الفَجْر المشرق بعد اندحار الظلام المُطبق.