المظهر الإسلامي في شهر الصوم لا بد أن يكون انعكاساً للنية الصادقة.
"شهر رمضان هذا الموسم الديني المتجدد وهذا المهرجان الإسلامي العظيم شهر
الخير والبركة.
إنه الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم، وهو بهذا الشرف جدير، فهو
الشهر الذي فيه أنزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وفيه بدأ
تنزيل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهو الشهر الذي شهد أول وأخطر معركة خاضها المسلمون بقيادة الرسول -صلى
الله عليه وسلم-، تلك هي غزوة بدر الكبرى التي أظهر الله فيها الحق وأزهق الباطل
وفيه جرت أيضاً أشهر المعارك الإسلامية الحاسمة في التاريخ كعين جالوت وغيرها.
فضائل الصوم في رمضان:
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لو علمتم ما في رمضان من الخير لتمنيتم
أن يكون رمضان الدهر كله. فالصيام في هذا الشهر يمثل قمة الإيمان الخالي من
كل مظاهر الرياء والنفاق لأنه عبادة لا يراها إلا الله فليس لها مظاهر تدركها حواس
الناس، أما الصلاة والزكاة والحج والجهاد.. فهي عبادات إيجابية، تؤدى بأعمال يراها
الناس ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه
لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"هذا كله لأن الصائم لا يكون
إلا مخلصاً لله، وصيامه سرٌّ بينه وبين ربه ويعتمد الصيام في الأساس على عدم القيام
بأعمال بل بالامتناع عن أعمال.
حكم الصيام:
من أبرز حكم الصيام وفوائده أنه يدرب المسلم على الصبر، فأي صبر أوضح من
أن يردع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب وهما ماثلان أمامه ونفسه تتوق إليهما؟
وأي صبر أقوى من أن يتحمل الإنسان المشاق النفسية والجسدية استجابة لأمر الله
وامتثالاً لتعاليمه؟
والمسلم يتدرب بصومه على ملاقاة الظروف القاسية التي قد تعترض حياته إذا انقطعت
به السبل، فلا يجزع ولا ينهار لأول صدمة.
والصيام يدرب المسلم على الإحساس بمشاعر الآخرين، ومعاناة ما يعانونه، فإذا كان
الغني قد تيسر له كل ما يشاء من طيبات الدنيا وحينما يشاء، فإن الفقير يعاني من
عضة الجوع وحرقة العطش ويتعرض لأذاهما طويلاً، فإذا صام المسلم الغني أدرك
أن هناك أناساً يجوعون ويعطشون ويألمون من غير اختيار أو صيام، فيرق قلبه لهم
ويجود عليهم بما يخفف بلواهم.
والصيام في رمضان يدرب المسلمين على النظام والدقة في الوقت، فيقيسون الزمن
فيه. بالدقائق والثواني.على غير ما يفعلونه في غيره من الشهور فلا يتقدمون عن
وقت الإفطار دقيقة ولا يتأخرون عن وقت الإمساك ثانية وبذلك يتعلم المسلمون الدقة
في المواعيد والالتزام بها فقبيل الإفطار تدب الحركة في حياة الناس وتصرفاتهم فكل
منهم يهرع إلى البيت، ويسير على عجل يسابق الآخرين، حريصاً على الوصول إلى
أهله قبل الغروب، فإذا حانت لحظة الإفطار هدأت الحركة في الشوارع وخلت الطرقات
من المارة فلا تكاد تسمع إلا همساً ولا ترى إلا متعجلاً يسابق الريح فاتته لحظة الهدوء
والاستقرار فهو يحاول إدراكها.
فما أحوجنا إلى دروس رمضان فلا نضيع أوقاتنا وأوقات الناس بالانتظار للمواعيد
أو بإهمالها.
وما أكثر الدروس والعظات التي يمدنا بها رمضان والصيام فيه وما أجدرنا بأن نستفيد
منها ونتزود بها كلما مررنا بمحطة رمضان في سفرنا عبر الحياة.