قسم الرحمن الأرزاق بين العباد كما قسم بينهم فضائلهم وأخلاقهم. فمنهم الفقير الذي
لا يجد قوت يومه ومنهم المسكين الذي مسكنه الفقر وفيهم العفيف الذي لا يعرف
فيكفى المؤونة ولا يجد غنى يغنيه وقل من الخلق من يفطن له. ومنهم الغني الذي
يجد مسكنه وقوته وكفاية معاشه وهم على مراتب فمنهم من غناه مقتصد يستوعب
شأنه ولا يفيض إلا شيئا يسيرا ومنهم من يفيض ماله عن حاجته ويتوفر له مال
كثير يستغرق في الملذات والكماليات ويشقى في صيانته وحراسته ومنهم من ماله
كالبحر الوافر قد أغرقه في نعيم الدنيا وسخر له العباد والبلاد وبلغ به جاه في الناس
يسمع لقوله ويؤتمر بأمره وينتهى بنهيه وتذلل له الصعاب ويتنافس أهل الدنيا في
التودد له ومع ذلك فقد لازمه الحذر والخوف من زوال تجارته في الدنيا وفقد كثيرا
من راحة البال والأنس الذي يجده من كان دونه وسيلحقه هم عظيم وغم كبير لطول
حسابه في الآخرة. ومن ملك قوتا ونفقة ومأوى يأوي إليه فقد ملك زمام الدنيا وهو
والمستبحر في هذا الشأن سواء. وخير الرزق الوسط لا فقر يلهي ولا غنى يطغي.
ورزق العبد مضمون لا يجلبه حرص حريص ولا ينقصه عجز عاجز. والعبد مهما
سعى وضرب في الأرض وبذل وسعه فلن يحصل إلا على ما كتب له فلا يلومن نفسه
ولا يتسخط على القدر. والعاقل لا يحزن على فقد الدنيا والأحمق يجزع عند فقد الدنيا.