قال ابن رجب رحمه الله في [جامع العلوم والحكم] :
( واعلم أن الحياء نوعان : ما كان خلقاً وجبلة غير مكتسب , وهو من أجل الأخلاق
التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم" الحياء لا يأتي
إلا بخير" فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق ويحث على استعمال مكارم
الأخلاق ومعاليها , فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار .
وقد روي عن عمر رضى الله عنه أنه قال : من استحيا اختفى ومن اتقى وقى وقال
الجراح بن عبد الله الحكمي وكان فارس أهل الشام : تركت الذنوب حياءً أربعين سنة
ثم أدركني الورع .
ـ ثم قال رحمه الله ـ : وقد روي من مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " الحياء حياء ان : طرفٌ من الإيمان والآخر عجز " ولعله من كلام الحسن
وكذلك قال بشر بن كعب العدوي لعمران بن حصين : إنا نجد في بعض الكتب أن منه
سكينةً ووقاراً لله ومنه ضعف, فغضب عمران وقال : أحدثك عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتعارض فيه ؟! والأمر كما قال عمران رضى الله عنه فإن الحياء الممدوح
في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل
وترك القبيح ,فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيءٍ من حقوق الله أو
حقوق عباده فليس هو من الحياء , فإنما هو ضعف وخورٌ وعجز ومهانة ,والله أعلم )
(مدارج السالكين) .
وقال الشاعر حبيب بن أوس :
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحِ فاصنع ما تشـــــاء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
وما في أن يعيش المرء خير إذا ما الوجه فارقه الحيـــــاء