انبثاق الوليد وخروجه من بطن أمه إلى الدنيا يبعث على الفرح والسرور والغبطة
فكل من حوله يفرحون بمقدمه:
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيًا
والناس حولك يضحكون سرورًا.
يأسرهم فيه نقاءه سريرته وبراءة نفسه وصفاء فطرته التي خلقه الله عليها لم تدنس
بمعصية ولم تلوث بذنب فما أجمل قهقهته وابتسامته، وما أروع دلاله وحركاته، ولكن
كل هذه الأحدث تمر به وهو لا يدرك منها شيئًا فهو لا يشعر باللذة التي يشعر بها من
حوله ممن فرحوا بمقدمه.
والسؤال هل يمكن للكبير أن يولد من جديد؟ هل يمكن أن يعود إليه ذلك الصفاء والنقاء؟
وهل يمكن لفطرته أن تعود زكية سوية كما كانت يوم خرج من بطن أمه؟ هل يمكن له
أن يتذوق لذة ميلاده الجديد؟
نعم يمكن أن يولد العبد مرة أخرى ويعود إليه الصفاء والنقاء، وذلك من عظيم فضل الله
ومنّته وجميل بره وإحسانه، استمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف هذا الميلاد
فيقول: (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك، يكتب
الله بها لك حسنة، ويمحو عنك بها سيئة وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى
السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثًا غبرًا من كل فج
عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل
رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك وأما رميك الجمار
فإنه مدخور لك وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت
من ذنوبك كيوم ولدتك أمك) رواه عبد الرزاق في المصنف الطبراني وحسنه الألباني في
صحيح الجامع.
وأعظم من ذلك عباد الله أن هذا الميلاد يختلف عن ميلاده من بطن أمه، فهو أعظم واجل
والفرحة به ينبغي أن تكون اشد من فرحنا بالميلاد الأول لأنه ميلاد يقود إلى جنة الله فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَالْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا
وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) رواه مسلم.
كيف نولد هذا الميلاد:
1- قال تعالى:الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ
فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ [البقرة: 197]
2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ
حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري ومسلم.
3- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل أي
الأعمال أفضل قال: (العج والثج) رواه ابن ماجة وصحه الألباني.
4- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ:
إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ:
«إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ» رواه الحاكم والإمام أحمد وحسنه الألباني.