كان النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى لأصحابه الأطهار وأسوةً حسنةً للمؤمنين
الأخيار، وقدوة صالحة لأتباعه الأبرار، فقد اتسمت دعوته باتساع رقعتها، وامتداد
أمدها، وعمق تأثيرها، لأنه طبق بسلوكه ما قاله بلسانه، فقد كان صلى الله عليه
وسلم على خلق عظيم، وكان خلقه القرآن، وأحبه أصحابه إلى درجة فاقت حد التصور
وأطاعوه طاعةً جاوزت حدود الخيال، قال أبو سفيان يوم كان مشركاً: « ما رأيت
أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ».
فالسر في قوة تأثير النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه أنه كان لهم أسوة حسنة
وقدوة صالحة، ومثلاً يُحتذى.
لقد كان صلى الله عليه وسلم، جم التواضع وافر الأدب يبدأ الناس بالسلام وينصرف
بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا
تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين وإذا جلسَ جلس حيث ينتهي به المجلس
لم يُر مادَّاً رجليه قط ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار
وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول: أنا أولى بحملها، وكان يجيب
دعوة الحر والعبد، والمسكين، ويقبل عذر المعتذر.
وكان يرفو ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه ويعقل بعيره ويكنس داره وكان في
مهنة أهله، وكان يأكل مع الخادم ويقضي حاجة الضعيف والبائس ويمشي هوناً
خافض الطرف، متواصل الأحزان دائم الفكرة، لا ينطق من غير حاجة، طويل
السكوت، إذا تكلمَ تكلم بجوامع الكلم.
وكان دمثاً، ليس بالجاحف ولا المهين، يعظم النعم وإن دقت، ولا يذم منها شيئاً
ولا يذم مذاقاً، ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها، ولا يغضب لنفسه
ولا ينتصر لها.
إذا غضب أعرض، وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، وكان يؤلف، ولا يفرق، ويقرب
ولا ينفر، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما
في الناس، ويُحَسِّن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، و لا يقصر عن حق
ولا يجاوزه، ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا
بها، أو ما يسره من القول.
كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخَّاب ولا فحَّاش
ولا عيَّاب، ولا مزَّاح، يتغافل عما لا يشتهي.
ولا يخيب فيه مؤمله، وكان لا يذم أحداً ولا يعيِّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم
إلا فيما يُرجى ثوابه يضحك مما يضحك منه أصحابه ويتعجب مما يتعجبون ويصبر
على الغريب وعلى جفوته في مسألته ومنطقه، ولا يقطع على أحد حديثه حتى
يجوزه.
الحديث عن شمائله صلى الله عليه وسلم لا تتسع له المجلدات، ولا خطب في سنوات
ولكن الله جل في علاه، لخصها بكلمات فقال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[ سورة القلم ]