جَسَدُ الإنسانِ أمانةٌ أودَعَها اللهُ العبْدَ، وأوجَبَ عليه حِفظَه، وحرَّمَ عليه الاعتداءَ على
جَسَدِه بأيِّ لَونٍ مِن ألوانِ الاعتداءِ، سواءٌ مِن نفْسِه أو مِن غيرِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن رجُلٍ كان فيمَن قبْلَنا مِن الأُمَمِ
الماضيةِ، وكان به جُرْحٌ، فجَزِعَ، أي: لم يَصبِرْ على إصابتِه ويَئِسَ منها، فأخَذ سكِّينًا
فحَزَّ بها يَدَه، يعني: قَطَعها، فنَزَفَ دَمُه ولم يَنقطِعْ إلى أنْ مات. فقال تعالَى: «بادَرَني
عَبْدي بنَفْسِه، حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ»،
وهذا كِنايةٌ عنِ استعجالِ الموتِ؛ لأنَّ قَتلَ الرَّجُلِ لنفْسِه لم يُبادِرْ -أي: يُسرِعْ- بأجَلِه
المُقدَّرِ له،
وإنَّما استحَقَّ المُعاقَبةَ؛ لأنَّ اللهَ لم يُطلِعْه على انقضاءِ أجَلِه، فاختار هو قَتْلَ نَفْسِه،
فاستحَقَّ المُعاقَبةَ لعِصيانِه، وقولُه: «حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ» ذُكِر في معناه أقوالٌ: فقِيل:
إنَّه كان استحَلَّ ذلك الفعلَ فصار كافرًا، وقيل: كان كافرًا في الأصلِ وعُوقِبَ بهذه المعصيةِ
زِيادةً على كُفرِه، وقيل: إنَّ المرادَ أنَّ الجنَّةَ حُرِّمَتْ عليه في وقْتٍ ما، كالوقتِ الَّذي يَدخُلُ
فيه السَّابقونَ الأولون
أو الوقتِ الَّذي يُعذَّبُ فيه المُوحِّدون في النَّارِ ثمَّ يَخرُجون.
وفي الحديثِ: تَحريمُ قتْلِ النَّفْسِ، سَواءٌ أكانتْ نَفْسَ القاتلِ أمْ غيرِه.