حينما تَضيقُ بك الدنيا بما رَحُبت، وتُقاسي الرُّوح والنفس من فِراق عشيقهما،
ويغار جسدك منهما، ويُشاركهما آلامهما، ويتخلَّى عنك الجميع، ويخذُلك ذو
الخُلُق الرفيع، ويُسهرك الليل الفجيع، فتبقى في الوهم تضيع، ويتجلَّى لك كل
وضيع، فيُوجِم كل وديع، حينها وفي كل حين، اعلم أنه ليس لك سوى الله
خالق الكون البديع.
يا بن آدم، ما ظنُّك بربِّ العالمين؟ ألا يَغفِر ذنوبَ الأوَّابين؟ ألم تكن مقدامًا في
عصيانه في جلِّ الميادين؟ ألم يسترك وتتباهى أنْ كنت من الجاهرين؟ ألم تدخل
الجنة امرأةٌ ما انفكت تعصيه كل حين؟
يا بن آدم، ما غرَّك بالحياة الفانية؟ أتُراها دامت لقرون ماضية؟ لا تَظلَّ عاكفًا -
هداك الله - لأحزانك، ولا تتعلَّق بكل ما هو هالك، ولا تكن في طريق الباطل
"سالِك"، بل ازدلف لربك بالمناسك.
واعلم حفْظك الله، وعن الجرائر أبعدك؛ أنه لا يهنأ في الدنيا إلا مؤمن أوَّاب،
ولا هناء لمؤمن إلا إذا خطَّت قدماه الجنة ونَعِم بالثواب
يا بن آدم، ما علمُك بثلاث؟ أعظمهما أن الله غنيٌّ عنك وعن عبادتك، وأعدلهما
أن الله يرزقك والفاجر ولا يَهلِك عليه إلا هالك، وأرحمهما أن الله يرزقك وأنت
حيٌّ، أفينساك وأنت لا تبرح في القبر مكانك؟
يا بن آدم ما أليق الدين بفقهك! فلهذا اركض برجلك، يا بن آدم كن لنفحات
الدعاء مُتحيِّنًا، وبدعاء الذي آنس وحدة بيت الله المهجور مُقتديًا، أن قال:
ربِّ كما آنست بيتك لا تدع قبري موحشًا.