تستطيع شم فنجان قهوة صيفا أو شتاء، كما تستطيع شمها في محل بيتزا، حيث لا تعوقها
الروائح الأخرى أو العوامل البيئية المختلفة، وما يتحقق مع رائحة القهوة بالنسبة للبشر،
يتحقق مع الجراد الذي يتم تدريبه على اكتشاف القنابل، إذ يمكنه التعرف باستمرار على
الروائح بغض النظر عن السياق الذي توجد فيه.
لمعرفة السر خلف هذه القدرة الفريدة، أجرى فريق بحثي من جامعة واشنطن في سانت
لويس دراسة نشرتها أول من أمس دورية «pnas»، قاموا خلالها بتدريب جراد
على ربط الرائحة بالطعام، بحيث يقوم بفتح الزوائد الحسية بالقرب من الفم في انتظار
الوجبة بعد شم «رائحة التدريب»، ومثلما نتعرف على القهوة في وجود روائح أخرى،
يمكن للجراد المدرب التعرف على الرائحة ولم يسمح لعوامل أخرى بإعاقة الطريق.
في هذه المرحلة، بدأ الباحثون في البحث عن الخلايا العصبية النشطة عندما يتعرض
الجراد للرائحة في ظروف مختلفة، في ظروف رطبة أو جافة، وعندما يكون جائعاً أو
يتغذى بشكل كامل، أو مدرب أو غير مدرب، ولفترات زمنية مختلفة.
اتضح أنه في ظل ظروف مختلفة، رأى الباحثون أنماطا غير متسقة للغاية من الخلايا
العصبية تم تنشيطها، وكانت الاستجابات العصبية شديدة التباين تبدو وكأنها تتعارض
مع ما كان يفعله الجراد من الناحية السلوكية، وهو ما قاد الباحثون للسؤال: كيف
يمكن أن تنتج الاستجابات العصبية المتغيرة سلوكًا ثابتًا؟
للإجابة عن ذلك، لجأ الباحثون إلى خوارزمية التعلم الآلي، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم
في ضوء أنماط الاستجابة العصبية المتغيرة التنبؤ بسلوك الجراد، ووجدوا أنه بالإمكان
تحقيق ذلك.
وتبين أن الخوارزمية سهلة التفسير، فقد استغلت نوعين وظيفيين من الخلايا العصبية
وهي خلايا عصبية للتشغيل (ON) والتي يتم تنشيطها عند وجود رائحة، وأخرى
خامدة (OFF)، والتي يتم إسكاتها عند وجود رائحة، لكن يتم تنشيطها بعد انتهاء
عرض الرائحة وفي حالة كانت الخلايا العصبية (ON) نشطة بشكل أكبر من الخلايا
العصبية (OFF) فسيكون رهانًا آمنًا للتنبؤ بأن الجراد سيفتح الزوائد الحسية بالقرب
من الفم لاستقبال الطعام المرتبط بشم الرائحة.