روى ابن كثير في البدايةِ والنهاية،
أنه لمَّا أفضتْ الخِلافة إلى بني العباس، اختفى رجالٌ من بني أُمية منهم إبراهيم
بن سُليمان، ولم يزلْ مُختفياً حتى أعطاه أبو العباس السَّفاح أماناً وأدناه منه لِما
كانَ فيه من علمٍ وأدب،
وفي ذات يوم قالَ له السَّفاح: يا إبراهيم قد لبثْتَ زماناً مُختفياً منا، فحدِّثني بأعجبِ
شيءٍ كانَ في اختفائك
فقالَ له إبراهيم: خرجتُ إلى الكوفة متنكراً، فلقيتُ في الطريقِ رجلاً حسن الهيئة،
وهو راكب فرساً ومعه جماعة من أصحابه. فلمَّا رآني مُرتاباً قالَ لي: ألكَ حاجة؟
قلتُ: غريبٌ خائفٌ من القتل
فقالَ لي: ادخُلْ داري
وأكرمَ ضيافتي، وأقمتُ عنده طويلاً فمَا سألني مَن أنا، ولا ما حاجتي وكانَ كل يوم
يخرجُ صباحاً ويعودُ مساءً كالمُتأسِّفِ على شيءٍ فاته
فقلتُ له: كأنكَ تطلبُ شيئاً؟
فقال: نعم، إبراهيم بن سُليمان قتلَ أبي، وقد بَلَغَني أنه مُتَخَفٍّ وأنا أبحثُ عنه
فضاقتْ بي الدنيا، وقلتُ في نفسي: قادتني قدماي إلى حتفي
ثم قلتُ له: هل أدلكَ على قاتلِ أبيك؟
فقال: أوتعرفه؟
قلتُ: نعم، أنا إبراهيم بن سُليمان
فتغيَّرَ لونه، واحمرَّتْ عيناه، وسكتَ ساعة، ثم قال: أمَّا أبي فسيلقاكَ يوم القيامة
عند حاكمٍ عدل! وأمَّا أنا فلا آمن عليكَ من نفسي، ولا أُريد أن أقتلَ ضيفي
ثم قامَ إلى صندوقٍ له، وأخرجَ منه صرةً من الدراهم،
وقال: خُذْها، واستَعِنْ بها على اختفائك، فإنَّ القوم أيضاً يطلبونك
فهذا أكرم رجلٍ رأيته يا أمير المؤمنين
*الحكمـــــه*
يا للرجالِ ما أجملهم حين تُزينهم الأخلاق
يا للمروءةِ كم تزيدُ المرء بهاءً وحُسناً
يا للعفو كيف يرفعُ الناس مقاماً ما كانوا بَالِغِيه بالانتقام
يا للصدقِ كيف يُنجي وإن بدا أنه عكس ذلك
يا للمعروفِ كيف يُقيِّدُ الكريم، فيجعله كالعبدِ لمن أحسنَ إليه
يا للمواقفِ كيف ترفعُ الناس أو تضعهم
يا للسيرةِ الحسنةِ كيف تُروى في مجالسِ المُلوك
يا للتاريخِ حين يُكتبُ بأحرفٍ من نور .