عانى دوستوفسكي الأمرين من الصرع والمعتقلات والفقر. فإن بدا القدر رحيماً
به لفترة، يعمد هو إلى تعذيب نفسه، بأسئلة مدمرة تجره جراً إلى قاع سحيق:
( هل الله فعلاً موجود؟ ).( هل أقتل نفسي لأنسى هذا الأمر؟). وهذا التساؤل
مبدأ كل اضطراب عند دوستوفسكي، فيغدو محموماً، ثم تنتابه نوبة صرع وكل
ألوان العذاب. ولا يستيقظ في كل مرة إلا على هذه الفكرة: ( يجب على البذرة
أن تموت وتدفن في التراب حتى تذهر من جديد) هوَ ذا سر أسرار حياته فهو
يحب الله ويحلم به ولكن لا يجده.
فيعاني من عذابه السماوي هذا ومخاوفه المقدسة ستين عاماً، متأرجحاً بين نوبات
الذعر والجنون، فتارةً يردد مثل بوذا: ( إن كان الخالق موجوداً فقولوا لي من أين
أتى هذا الخالق ). وطوراً يندفع في تيار السكينة الربانية ويصبح حبه تعطشاً إلى
الله فيجلس عند المدى، ويفتح ذراعيه نحو السماوات معانقاً اللانهائي متحداً به فما
أن يرجع إلى المنزل حتى يجد المنطق التحليلي القاسي متربصاً به مُحدداً أبعاد البحر
الذي يريد الغوص فيه. ....وأخيراً انتهى إلى: ( إذا ما أحببت كل شيء، تجلى لك
سر الله في كل الأشياء ).....لقد كان دوستوفسكي أكثر الناس إيماناً وأشدهم إلحاداً
في نفس الوقت.
من رواية ( صلوات الحب السبع ).