جاء في الحديث: " إلا الصوم فإنه لي" لأن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه
دون سائر الأعمال وقد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء والصوفية وغيرهم
وذكروا فيه وجوها كثيرة ومن أحسن ما ذكر فيه وجهان:
1-أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على
الميل إليها لله عز وجل ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام لأن الإحرام
إنما يترك فيه الجماع ودواعيه من الطيب دون سائر الشهوات من الأكل والشرب.
وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلي فيها
جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول فلا يجد المصلي فقد الطعام والشراب في صلاته
بل قد نهي أن يصلي ونفسه تشوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يسكن نفسه
ولهذا أمر بتقديم العشاء على الصلاة.
2-أن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره لأنه مركب من نية باطنة
لا يطلع عليها إلا الله وترك لتناول الشهوات التي يستخفي بتناولها في العادة
ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة وقيل: إنه ليس فيه رياء.
فوائد:
-ذهبت طائفة من العلماء إلى إباحة شرب الماء في صلاة التطوع وكان ابن الزبير
يفعله في صلاته وهو رواية عن الإمام أحمد وهذا بخلاف الصيام فإنه يستوعب
النهار كله فيجد الصائم فقد هذه الشهوات وتشوق نفسه إليها خصوصا في نهار
الصيف لشدة حره وطوله.
-وروي: "أن من خصال الإيمان الصوم في الصيف" وقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصوم رمضان في السفر في شدة الحر دون أصحابه كما قاله أبو
الدرداء: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في سفر وأحدنا يضع يده
على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد
الله بن رواحة.
- إذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله عز وجل في
موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك دليلا على صحة الإيمان فإن الصائم يعلم أن
له ربا يطلع عليه في خلوته وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل
إليها في الخلوة فأطاع ربه وامتثل أمره واجتنب نهيه خوفا من عقابه ورغبة في
ثوابه فشكر الله تعالى له ذلك واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله ولهذا
قال بعد ذلك: "إنه إنما ترك شهواته وطعامه وشرابه من أجلي".