في هذا الحديثِ يُخبِر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أَفضلَ المُسلمينِ وأَرفَعَهم
ذِكرًا وأَعلاهُم عِندَ اللهِ دَرجةً مَن تَعلَّمَ القُرآنَ؛ تِلاوةً وحِفظًا وتَرتيلًا، وتَعلَّمَه؛
فِقهًا وتَفسيرًا، فأصبَح عالِمًا بمَعانيه، فَقيهًا في أحكامِه، وعلَّم غيرَه ما عِندَه
مِن عُلومِ القُرآنِ مَع عَملِه به، وإلَّا كانَ القُرآنُ حُجَّةً علَيه.
فخَيرُ النَّاسِ مَن جَمَعَ بينَ هَذينِ الوَصْفين؛ مَن تعلَّم القُرآنَ وعلَّم القُرآنَ، تَعلَّمه
مِن غيرِه وعَلَّمه غيرَه.
قالَ سعدُ بنُ عُبَيدةَ: وأَقرأَ أبو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلميُّ النَّاسَ في إمرةِ عُثمانَ بنِ
عَفَّانَ إلى أنِ انتَهى إِقراؤُه النَّاسَ إلى زَمنِ الحَجَّاجِ بنِ يُوسُفَ الثَّقَفيِّ وهي مُدَّةٌ
طويلة، والَّذي حَمَلَه على ذلك هو الحديثُ الَّذي حَدَّثَ به عُثمانُ في أفضليَّةِ مَن
تَعلَّم القُرآنَ وعَلَّمه، وأَقْعَده مقْعدَه هذا، وأشارَ به إلى مَقعدِه الَّذي كانَ يُقرِئ
النَّاسَ فيه. وقيل: إنَّه أَرادَ بقولِه: (مَقْعَدي هذا) المقعدَ الرَّفيعَ والمنصبَ الْجَلِيلَ
الذي حَصَل له مع طُولِ المُدَّةِ بِبركةِ تَعليمِه القُرآنَ الكَريمَ للنَّاسِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ شَرفِ القُرآنِ وفَضلِ تعلُّمِه وتعليمِه.
وفيه: بيانُ فَضلِ حامِلِ القُرآنِ ومُعلِّمِه، وأنَّه خيرُ المُؤمنينَ؛ لأنَّه أعظَمُهم
نَفعًا وإفادةً.