لقد أفاض القرآن الكريم كثيرًا في الحديث عنهم، وخصَّت كتب السنة والتفسير
والسيرة هذا الصنف من البشر بجزء كبير من الاهتمام والتفصيل.
وقد سَمِعَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه رَجُلًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَهْلِكِ الْمُنَافِقِينَ"، فَقَالَ:
[يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ هَلَكَ الْمُنَافِقُونَ لَاسْتَوْحَشْتُمْ فِي طُرُقَاتِكُمْ مِنْ قِلَّةِ السَّالِكِ]
فالنِّفاق من لوازم الدعوات، لأن الناس معادن، وطلاب المطامع والأهواء ما
أكثرَهم في كل عصر يتقاتلون لإرضاء شهواتهم، والوصول إلى مطامعهم..
وأتباع الشياطين الذين يكيدون للمؤمنين لن يخلو منهم مجتمع مادامت السموات
والأرض؛ ليميز الله عز وجل الخبيث من الطيب. قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾
[الأنعام: 112].
إن جريمة النِّفاق هي شرُّ فِعْلَةٍ في الوجود والمنافقون هم شرُّ الخليقة بأسرِها
ومحنتهم أشدُّ المِحَنِ على نفوس المؤمنين وقعًا.
ولا بد لوجودهم من حِكَمٍ وأسرار، كما لوجود الشياطين حِكَمٌ وأسرار، ومنها:
1- تنقية صفوف المؤمنين من الضعفاء ومرضى القلوب.
2- صقل النفوس المؤمنة وتعويدها الكفاح والجهاد، والصبر على المكاره
وخوض الأزمات بقدم ثابتة والخروج من المآزق والنكبات بقلوب أقوى إيمانًا
ونفوس أشدَّ يقينًا.
3- تمييز الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق.
قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17].
4- أن يلجأ المؤمن إلى ربه، ويتضرع إليه، فعندما يرى أن الريح تعصف به
من كل مكان يعلم أنه لن يخرج من تلك المحنة المروعة إلا بصدق اللجوء
إلى الله عز وجل، والثبات على الحق، والصبرعلى المكاره، حتى يخرج من
هذه المحنة قويَّ البأس ثابتَ الجأش ولولا هذه الثغرات لما حدث الفرج والنصر.
والله عز وجل جلَّت قدرته لا يجعل شيئًا إلا لحكمة، ولا يُحدِث أمرًا إلا لغاية
وهدف. سبحانه هو أحكم الحاكمين.
( مدارج السالكين لابن القيم (1 /364)،
وصفات المنافقين له، ص (20).