قال الفضيل بن عياض : " هي الصفح عن عثرات الإخوان " ..
فهو يراها القدرة على الصفح ونسيان الألم الذي يلاقيه الإنسان من اخوانه في بعض الظروف , وكذا الصفح عن زلاتهم معه ومع غيره فما من أحد
إلا وله كبوة والقوة النفسية أن يستطيع المرء تجاوز عثرات الناس والصفح
عنهم . ودليلها في كتاب الله , يقول سبحانه " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن
عزم الأمور "
وقال الإمام أحمد : " ترك ما تهوى لما تخشى "..
وأما الإمام أحمد إمام أهل السنة فينظر الى تلك الصفة من منظور مختلف فهو
يراها القدرة على السيطرة على النفس وهواها ورغباتها وكبح جماحها خوفا
من الوقوع في غضب الرب الجبار سبحانه وإشفاقا من عذاب الله تعالى وفيها
دليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله " ليس الشديد بالصرعة
إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب "
وقال سهل بن عبد الله : " هي اتباع السنة " .. وأما التابعي الجليل سهل
فهو يراها القدرة على الثبات في متابعة السنة حتى الموت فمن قدر على
متابعة السنة ظاهرا وباطنا فهو الرجل المسلم الحق وهو صاحب الفتوة الإسلامية
الحقة
وقال شيخ الإسلام : " فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها " ..
ويعالج شيخ الإسلام آفة قد تطرأ على الرجولة والفتوة بأن يرد المرء الخير
لنفسه ويرى القدرة منبعها ذاته ويرد الفضل لقدرته على الفعل والمنع فنرى
شيخ الإسلام في نظرته للرجولة يؤكد على أنها فضيلة يتصف بها المرء ويراها
محض فضل من المعطي سبحانه الغنى الجواد الكريم"
وما بكم من نعمة فمن الله "
وقال الحافظ : " أن لا تحتجب ممن قصدك والحافظ يضيف معنى آخر لتلك
المعاني , فهي عنده بذل الوسع فى العطاء البدنى والمالى مهما كان حالك
فلا تحتجب ممن قصدك في خير ولا تتحجج بحجة واهية , بل أن تكون دائما
معطاء ودودا مشاركا لإخوانك معينا لهم على نوائب الضر مهما كان حالك .
وقال ابن القيم : " أن لا تهرب إذا أقبل طالب المعروف " ..وابن القيم هنا
يعالج المرض ذاته الذى تكلم عنه الحافظ ولكن يوضح الأمر بصورة أخص فهو
يراها الإقبال على أهل المعروف للمشاركة فى صنيعهم الحس وعدم الهروب
إذا أقبلوا , والأمر هنا يداخله العمل الدعوى وما يختص بتعليم الناس الخير
وإرشادهم للإيمان وقد علم الله سبحانه ذلك في كتابه بقوله " ولا تطرد الذين
يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه "
..وقال في موضع آخر " إظهار النعمة وإخفاء المحنة " ...
أما في هذا الموضع فالإمام ابن القيم يرى وجها آخر للرجولة الإسلامية
والفتوة الإيمانية الحقة , فهي إظهار النعمة والتحديث بها وبيان الاستغناء
عن الخلق بالخالق وإخفاء الآلام والمحن وبث الشكوى لله وحده فهي مظهر
رفيع من مظاهر الرجولة والفتوة .
ابن حزم يصف الرجولة فى دين الله :
كتب الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه " مداواة النفوس " وصفا عجيبا
للرجولة والمروءة في دين الله نحاول أن نتدبره : قال " لا يبذل نفسه إلا
فيما هو أعلى منها وليس ذلك إلا في ذات الله في دعاء لحق أو حماية عرض
أو في دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك , أو في نصر مظلوم , وباذل نفسه
في عرض الدنيا كبائع الياقوت بالحصى , فلا مروءة لمن لا دين له والرجل
العاقل لا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة وهو لا يغتبط بصفة يفوقه فيها سبع أو
بهيمة أو جماد وإنما يغتبط بتقدمه في الفضيلة التي أبانه الله تعالى بها عن
هؤلاء وهي التمييز الذي يشارك فيه الملائكة "