اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 18119 تاريخ التسجيل : 15/11/2011 الموقع : المحلة - مصر المحروسة العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى المزاج : متوفي //
موضوع: اكس اكس اكس... الأربعاء 17 أبريل 2013 - 2:12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة اكس اكس اكس
بالكاد كان يرى بياض عينه حين وقف أمام المرآة وأخذ يتحدث مع الوجه الذي كان مقابل وجهه .. قال له : ليس الأسوأ أن تجلس وحدك بل أن تعيش لوحدك.وليس على المرء ملامة إن تظاهر بالجنون كما تتظاهر الأبقار هذه الأيام. وليس عيب على الإنسان أن يتظاهر بمرض أنفلونزا الطيور بعدما طارت العقول من رؤوس البشر . وليس مهما أن ما أقوله سيعجبك أم لا بل المهم أن تفهمني وأن أفهمك لأننا وحدنا في القطار نعبر المدن والأقطار. نخلف وراءنا الشجر والحجر والبشر.. نلمح البساتين والتلال والجبال والبحار والبحيرات والأنهار.. نودع او نوزع كل ما يلمحه البصر في لحظات السفر .. هذه هي سياسة خذ وهات سياسة عادلة.وكلانا متفقان على الحوار.. افهم وحاول أن تفهمني،غير ذلك كلانا سيخسر السفرة ويفقد السكرة بفقدان الفكرة..
فجأة قطع حبل أفكاره واسترساله سؤال باغته لأنه خرج من فم الذي كان يقابله في المرآة : أنت إذن تتحدث لأحدهم ..؟
تلعثم بجوابه لكنه لملم أفكاره وأجاب : أنا لا أحدث سوى نفسي ... لم يكن جوابه مقنعاً لنفس نفسه فسألته : إذن لماذا تفعل ذلك؟
دون أن يشعر دخل في الحديث مع الذي يقابله وأخذ يشرح له أمره، فقال: أقوم بذلك لأعرف نفسي أكثر .. لأجرب نفسي كانسان بوجهين ، واحد يعتبر أنايَ أناهُ.. وهو في أناي يعني أنا فيه هو .. أنه شخص آخر داخلي ، لكني لا أستطيع تقبله، أرفضه لأنني اعتبره ليس مني ، فلسانه ليس لساني ، ومنطقه ليس منطقي،وفكره لا يمت لفكري بصلة .. أنا مؤمن بوجود الخالق عز وجل بينما هو ملحد،لا يؤمن بأي شيء.. حياته دنياه ودنياه حياته..لا اشتراكي ولا شيوعي ولا قومي ولا عروبي .. كذلك لا هو قومجي ولا هو ليبرالي على طريقة العرب الجدد... انه آخري الذي تأخر ظهوره في هذه الرحلة الصعبة،انه أنا الآخر الموجود في داخلي... حتى قلمه ليس قلمي.. كل ما يجمعني به فقط وجهه لأنه يشبه إلى حد كبير وجهي ..
هل هذه فلسفة أم تجارب علم نفس في مستشفى مجانين؟
لا هذه ولا تلك .. هي محاولة لفهم الآخر فينا عبر الدخول في الأنا الأخرى ..
هل تعرف ماذا أجابته أناهُ الأخرى عندما سألته عن رأيه بعيشته في المهجر؟
قالت له : لا تعتقد انك تعيش وحدك في المهجر ، فهناك مثلك ملايين .. لا يمكنك رؤيتهم كل يوم،لكنهم يظهرون على السطح كلما تعالت الأصوات المطالبة باصطيادهم وتعليبهم وتصديرهم إلى بلادهم .. ففي البلاد التي صارت بلادهم هناك من يريد إعادتهم من حيث أتوا. كل فترة يظهر بين ظهرانيهم من يدعي انه يداً إلهية أو قاضي قضاة الخالق على الأرض .. وهناك أيضا من ينصب نفسه والياً يقسم البشر حسب دينهم ولون بشرتهم .. حكايتنا معهم طويلة..
لم ترق له الإجابة حيث رآها تذهب بعيدا في تخوفها من المستقبل، وكأن المستقبل سيأتي معه بالماضي الذي عاشه الأجداد في قرطبة وطليطلة وغرناطة واشبيلية.. لم يحب تلك الإجابة. اشتم فيها رائحة من ذاكرة محاكم التفتيش.. لقد كرهها حيث أن فيها نظريا ما قد يتحقق بعد زمن .. كل شيء الآن يساعد على فهم تخوفه وتوقعات أمثاله. بصراحة لقد كره الإجابة لأنها ذكرته بقول والده الذي حرص على تكراره دائما على مسامعه : غدا يا ولدي سيخرج هناك من يبيدكم أو في أضعف الايمان يطردكم من المكان الذي اخترتموه فردوسا.. فتصبحون بلا وطن وبدون خيمة أو هوية .. عارض والده و قال له لا تكن متشائماً يا أبي .. لست هذا ولا ذاك يا ولدي...لكني لا أرى لكم مستقبلا في تلك البلاد ،فكل شيء يعيد تكرار نفسه بعد فترة من الزمن .. حتى الأعمال السيئة والوحشية تكرر نفسها تماما مثل الموضة...
سمع كلامه لكن قبل ان ينتهي الوالد من حديثه حضرت أمامه صورة العالم بعد ان قام غبي أو عنصري بنشر رسوم كرتونية تسيء لشخص ليس ككل الأشخاص، شخص لازال يتبوأ المركز الأول بين أعظم مائة شخصية غيرت وأثرت في التاريخ البشري.. قال بينه وبين نفسه تلك الرسوم إذا ما تكررت ستؤدي نتائجها الكارثية إلى عودة محاكم التفتيش مما سيعجل بظهور المسيح الدجال والمهدي المنتظر ويأجوج ومأجوج . لكن هل يعقل هذا كله؟...
تلك الكلمات لم ترق لقرينه في المرآة الذي عاجله بالقول : ما هذا هل أنت مع حرية التعبير ام ضدها؟
قال في قرارة نفسه ، هذا سؤال خبيث من إنسان خبيث و حق يراد به باطل.. لكنه اجاب :
أنا ضد حرية التعبير إذا كانت بلا تفكير .. ومع حرية التعبير وضد انتقائية النشر والتحرير .. يعني لا يجوز الكيل بمكيالين والظهور بوجهين والحديث بلسانين والتعامل بمنطقين.. يعني هذا مسموح وذاك ممنوع . يجب ان يعرف الصحافي والكاتب أنه لا توجد حريات مطلقة.. فحريتك تنتهي عندما تصل إلى حرية الآخرين. هناك حدود لكل شيء ومسارات ومدارات تحدد سير ودوران كل شيء. على الكاتب العمل بها.
بصراحة أنت تتفلسف وقد يكون هذا نتيجة الجلوس وحدك .. فأنت تعتبر وحيد وحدتك،أسير فكرتك، وحبيس هجرتك. وإن كنت تعيش برفقة أحد ما فأنت أسير عيشتك. وعليك تقاسم الحديث والحوار مع الآخر من حولك. كما عليك تقاسم كل شيء من ورق التواليت حتى ورق الجدارن... عند هذه الجملة بالذات قاطعه الآخر قائلا : لكني اجلس وحدي مع كتاب يقول أن الأرض مثل البيضة وليست مثل الكرة.... كان يفكر بالبيض والكرات والأرض المخوزقة من كافة الجهات حين فاجأه من يقول له في وحدته : كتابك كلام لا يغني ولا يفيد،أما كتاب قرينك ففيه أشياء جديدة ومفيدة،خذه وتعرف على ما فيه. اعتقد أنه يحلم أو أنه يعيش مع آخرين .. مع العلم أنه لا يذكر أحدا منهم. لكن بعد أن رأى الضيف الذي دخل وحدته دون دعوة مسبقة تردد.. قال بلهجة آمرة استسلم الآخر لها دون مقاومة: قلت لك اقرأ ،وقل لهم أنه لا يوجد حيث تعيش تواليت قبل أن تفكر بورق التواليت وقل لهم أن بيتك بلا جدارن وبلا سقف وبلا أرضية وأنك نفسك إنسان بلا عنوان .. وقل لهم انك كنت تحلم بوقوفك أمام المرآة ومحاكاة قرينك. ففي بيتك لا توجد مرآة ولا يوجد تلفاز ولا توجد كهرباء ولا خط هاتف ولا مياه صالحة للشرب ولا سرير للنوم .. بيتك الذي أنجبتك فيه أمك لم يذهب مع الريح كما فعل أجدادك يوم اضطروا للهرب من لعنة حرب كانت بعيدة عنهم كثيرا لكن نتائجها أثرت فيهم أكثر من تأثيرها بأي مكان آخر. بيتك الذي أجبرت عائلتك على تركه،الذي شيدته بالعرق والجد والتعب،حيث جعلت فيه تواليت أجنبي وحمام عربي وجدران مزينة بورق الجنة،وسقف ملون بالزهور والورود.. بيتك الذي دخلته أول مرآة كبيرة وفريدة، كان جدك احضرها معه بعد رحلة أوصلته إلى بلاد الحكيم كونفشيوس. تلك المرآة عز على جدك تركها في البيت، كما عز عليه ترك عظام أمه وأباه في قبر العائلة،خاف أن تعبث بهم يد الغزاة ففتح القبر ، حمل العظام ووضعها معاً في وعاءٍ متين ثم احكم إغلاقه وحمله معه بعد أن وضعه في خرجٍ دابته التي هامت في الأرض وعبرت الحدود طمعاً بالنجاة ومواصلة الحياة وبحثاً عن قبر جديد لعظام الأهل.كان ذاك كل ما حملته العائلة من بيتٍ فسيح يتألف من تسع غرف للنوم والاستقبال والطعام وللعمل. بيت جاء غرباء على هيئة بنات آوى أووا إليه ومن ثم طردوا من كان يسكنه. بعد أن نبشوا المقابر وعبثوا بالموتى.. وبعد أن ذهلوا حين وجدوا قبر العائلة فارغاً . يذكر جدك أنهم كانوا جياعا ورغم إيواءهم من الجوع والبرد من قبل سكان البلد،إلا أنهم انقلبوا وكشفوا عن حقيقتهم وابرزوا أنيابهم ومخالبهم.. كانوا قد خططوا كل شيء، بينما جدك وأباه وجده لم يجهزوا أنفسهم حتى لكابوس في حلم شبيه بما حصل معهم في الواقع..
ليس من عادة البشر او الحيوانات ان ترث الآخر وهو حي يرزق، وليس من عادة الناس أن يغيبوا أصحاب الدار ويسرقوا الأرض والأزهار ثم يقولوا وجدناها بلا بشر مجرد تربة وحجر،جعلناها جنة وسكناها ولن نخرج منها..وهي لنا حتى الأبد..
رحم الله جدتي ، جدة قريني كانت تقول أنهم سلبوا الناس كل شيء.. حتى عبق أزهار الصباح ، ورائحة النعناع والميرميرة والخبيزة والفرفحينة، والزيت والزعتر والزيتون ودوار الشمس وزهر اللوز وذهب الخريف الذي يأتي مع الشمس وينتشر فوق السنابل فتغدو كمروج الذهب . .
قاطعه القرين : هم حسب قولهم قد عادوا وانتم حسب ادعائكم قد تهتم وضعتم.
هم أخذوا صورتنا وجعلوها صورتهم، حديقتنا وجعلوها حديقتهم ، وطننا وجعلوه وطنهم، ضياعنا وأراضينا و بيادرنا وجعلوها خاصيتهم.. طعامنا وقالوا انه طعامهم. آثارنا وادعوا أنها آثارهم..
كان جدك يقول حين تجلس وحدك تعرف سر وجودك.. وحين تدخل الغريب إلى دارك قبل أن تتعرف عليه ودون أن تعلمه بأسرارك تكون الكاسب،لكن أن فعلت العكس ستدور الدائرة عليك وتخسر ما كنت بنيت. لذا فلا تعش وحدك في وحدتك.كن مع الناس وبينهم عندما تقتضي الضرورة والحاجة.. فالجنة بلا ناس لا تطاق. والحياة بلا جيران ومعارف وأصدقاء أيضا لا تطاق.. إن صادقت فأصدق فالصدق شيمة وعلامة تميز الصادق عن الكاذب والأمين عن غيره.
هل تعني اننا محظوظان لأننا ركبنا القطار وابتعدنا عن دائرة الاستئصال؟
لسنا محظوظين بولادتنا في بلاد غير بلاد الآباء والأجداد.. حيث كبرنا في بلدان غير بلدان الانتماء .. فأنا كما جدي خسرت البيت والتواليت والجدران والمرآة والمرأة والمدرسة والحارة والألعاب والشجر والحجر والأرض... غدوت مجرداً من هويتي ووطني،صرت أربع حروف اكس لاتينية لدى سلطات الهجرة في بلادي الجديدة ، المكتسبة رغم أنها بلادا أجنبية ساعدت الآخر على سرقة بلادي الأصلية.وأنت أيها القرين نسخة طبق الأصل عني ...