لم يشد انتباهي صورة الزوجة الخالعة المنتصِرة والمنتشية بخلعها لزوجها بقدر
ما شدتني ملامح الأزواج الذين يوضعون أمام هذا أمر واقع فرضه الدين والقانون
عليهم، وأصبحوا من رجال يرمون الطلاق عادة بعبارة "أنتِ طالق" إلى أزواج
يسمعون مرغمين جملة واحدة هي "أنتَ مخلوع".
أن أول حالة خلع في التاريخ الإسلامي هي لامرأة ثابت بن قيس، التي خلعت
زوجها لأنه بدى لها ذميما وقصيرا، وقد وصلت إلى هذه القناعة بعد أن لمحته
رفقة أصدقائه يقف في مكان خلف البيت وبعد أن هزّ الريح النخل ظهر لها
جمالهم وقبحه وطولهم وقصره، وكما روى عكرمة ابن عباس قال: "أول من
خالع في الإسلام أخت عبد الله بن أبي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأسه أبدا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل
في عدة إذ هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها، فقال: "أتردين عليه
حديقته"، قالت: نعم وإن شاء زدته، ففرّق بينهما، وهذا الحديث أصل في الخلع
وعليه جمهور الفقهاء، قال مالك: "لم أزل أسمع ذلك من أهل العلم وهو الأمر
المجتمع عليه عندنا، وهو أن الرجل إذا لم يضر بالمرأة ولم يسن إليها بها ولم
تؤت من قبله وأحبت فراقه فإنه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتقدت به كما فعل
النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس"، فكان الخلع بهذه الطريقة
التي رآها الرسول عليه الصلاة والسلام، مخرجا لهذه المرأة التي أصبحت لا تطيق
زوجها لأسباب خاصة بها، ومن هنا أصبح التطور المجتمعي يفرض هذا القانون
الذي صار بدوره ملجأ للنساء اللواتي أصبحت تعج بهن المحاكم بطريقة ملفتة
وواضحة لم يسبق أن عرفتها من قبل.
وأشارت الأرقام المسجلة على الصعيد الوطني، إلى تصاعد يثير الخوف والرعب
في ما يخص لجوء الزوجات إلى الخلع والتي ذهب فيها المحللون إلى ربطها
بتحقيق الزوجة للاستقلالية المادية وتعرضها لسوء المعاملة وغيرها من الأسباب
وحسب الإحصائيات فقد سجلت 2466 قضية خلع في 2007، وارتفع هذا
العدد إلى 3191 في سنة 2008، وبعدها 4465 في 2009، ليصل
إلى 11 ألف قضية في 2010، و15 ألف في 2011.
الخلع شكّل لهم صدمة نفسية وفضيحة اجتماعية وسط عائلاتهم عكس النساء
الخالعات اللواتي تحدثن بكل جرأة وحرية وحتى على أدق التفاصيل التي جعلتهن
يخلعن أزواجهن دون أي تردد.
الأصل في الخلع أن تلجأ إليه المرأة إذا كان الظلم من قِبلها وليس العكس غير
مطبّقة ولجوء المرأة للخلع دائما كان بسبب الضرر والظلم الواقع عليها وليس
لأنها هي أصل الظلم