كثير من شباب أمتنا أصابتهم شيخوخة من نوع فريد، فأعمارهم صغيرة، وقوتهم
فتية، إلا أن طموحهم منكسر، وعزيمتهم غائبة، ورؤيتهم تائهة، ونظرتهم للمستقبل
مظلمة قاتمة.
فتراهم وكأنهم قد بلغ بهم العمر أرذله، ونخرت الشيخوخة في عظامهم فأثنت
ظهورهم، ونكست رؤوسهم، ورهّلت جفون عيونهم
بالطبع فهؤلاء الشباب لا يقوون على الصمود أمام مشكلات الأيام، وعقبات الحياة
وصعب المواقف، فلا عجب عندئذ إذا رأينا الأمراض النفسية قد حاصرتهم، وقد
أكل الاكتئاب بسماتهم، وافترس اليأس نشاطهم وحيويتهم.
أسباب الشيخوخة
الأسباب وراء شيخوخة شبابنا كثيرة، لكن هناك سببان هما الأكثر تأثيراً، أولهما
ضعف الإيمان، والآخر ضياع الهدف.
أولا: ضعف الإيمان
فالإيمان بالله - سبحانه - هو حياة القلوب والنفوس، وهو عمودها الصلب الذي
يقيمها فلا تنكسر، ويثبتها في مواجهة الرياح من حولها.
والإيمان بالله - سبحانه - ينبت الشجاعة في قلوب الشباب، فيتلاشى خوفهم من
المخلوقين، وينبت ثقتهم في أنفسهم؛ إذ يتوكلون على القوي العزيز، ويطرد
اليأس؛ إذ الأمل دوما في الله - سبحانه -.
فإذا آمن شبابنا بربهم واستقر الإيمان في قلوبهم هانت عليهم الخطوب، وصغرت
في أعينهم الملمات الصعاب، وانتظروا اليسر بعد العسر، والمنحة بعد المحنة.
وإذا استحضروا مآلات الحياة، وعملوا بإخلاص لوجه ربهم المتعال ، وجعلوا الآخرة
نصب أعينهم، قويت شوكتهم في مواجهة الباطل، وتضاءلت أمامهم المطامع
وتألقت في أعينهم معاني العزة الإيمانية، وصاروا يتركون بصماتهم المضيئة المصلحة
في كل مكان مروا به.
ثانيا: ضياع الهدف
وأما وضوح الهدف فهو الدافع الأول نحو العمل الإيجابي النافع، وهو المثير نحو
التميز، والمشجع تجاه التقدم والتفوق والتسابق بل والفوز.
وإذا فقد الشاب هدفه، وجد نفسه في تيه لايدرى أوله من آخره، قد أحاطت به ظلمة
مغيبة، فلا يكاد يرى طريقه، فهو يسير سير التائهين، ويتخبط بين الأقدام.
هناك أزمة اجتماعية وثقافية حقيقية نعاني منها، لم نستطع معها تكوين بيئة مناسبة
لتربية هؤلاء الشباب ونشوئهم نشأة صحيحة، على الرغم من حبنا الشديد لهم،
وعلى الرغم من تضحياتنا الكبيرة لأجلهم، لكننا ولابد لنا أن نعترف نكاد أن نفقدهم
في غمار هذا المعترك المضني مع تقلبات الحياة وصراعات أعداء الحق.