أولا وأهم شىء: التوحيد. معرفة الله عز وجل هى غاية الأديان والسبب الرئيسى
لاتصال السماء بالأرض. ربما يظن الواحد منا أن هذه المعرفة شىء هين.
ولكن لو تذكرتم توق البشرية إلى معرفة خالقها المجيد وكيف تعثرت فى مشوارها
الطويل فألبست تصوراتها عن الإله الخالق صفات المخلوقات، فجسدته وجسمته،
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فلنذكر أننا أمة التوحيد، وهذا فضل الله على هذه الأمة. نحن الذين نعبد الله وحده
لا شريك له، ونفصل تمام الفصل بين الله ومخلوقاته، حتى لو كان ملكا مقربا أو
نبيا مرسلا فإنه مخلوق.
ورسول الإسلام نفسه كانت ذروة تكريمه أنه عبد (سبحان الذى أسرى بعبده).
قال له رجل:إنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فلم يفرح الرسول
بمديحهم كما اعتاد البشر أن يفرحوا بالمديح وإنما امتقع وجهه رهبة وإجلالا
وقال له: «ويحك أتدرى ما الله؟ إن الله لا يُستشفع به على أحد من خلقه. شأن
الله أعظم من ذلك».
هذا هو دين التوحيد الذى يمنع أن يُرفع دعاء إلا لله عز وجل لأن الدعاء عبادة.
محظور أن تدعو نبيا أو وليا، وإنما ترفع الضراعة لله فقط. هو الدين الذى يقف
الجميع أمامه متساوين فى الصلاة، راكعين ساجدين، لا يتميز واحد عن الآخر.
لا كهانة، لا وساطة، لا قرابة. رب وعبيد. خالق ومخلوقات. حى وأموات. كمال
مطلق فى مقابل ذوات ناقصة فقيرة إلى ربها ذى الجلال والإكرام.
دين التوحيد الذى بلغ تنزيه الإله عز وجل غاية ما يتصوره العقل، فهو سبحانه
وتعالى فوق الحواس. منزه عن الأحداث، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
لا يبلغ البشر أن يضروه أو ينفعوه.
البشرية كلها مدينة للإسلام بهذا التنزيه. ولأن المعارف الإنسانية كالأوانى
المستطرقة، فقد استفادت جميع الأديان من هذه الصورة المثلى للإله الكامل،
التى هى فى الأصل صورة الإله فى الإسلام. الإسلام الذى يهاجمونه
ثم يأتى بعد التوحيد مكارم الأخلاق. الفطرة التى فطر الله الناس عليها، وحببت
إليهم فعل الخير ومساعدة الضعيف وإغاثة الملهوف. هذه هى طريقة فهم الإنسان
البسيط لمعنى التدين. القريب إلى الله هو ببساطة الإنسان البشوش، كثير الابتسام
الذى يتصدق على الفقير ويساعد الأرملة والمسكين ويحنو على الأيتام.
لا يضيرك شىء بعد هذا. هل هذا الحديث صحيح أم مكذوب؟ ما الذى حدث فى
الفتوح الإسلامية؟ أو لماذا تقاتل الصحابة فيما بينهم وهم خير البشر؟ أو غرائب
الآراء الفقهية وزلات الشيوخ
تريد أن تكون قريبا إلى الله عز وجل؟ الأمر سهل ميسور: اعبده وحده لا شريك
له، وتحبب إليه بالإحسان إلى خلقه وفعل الحسنات.
المعنى الحقيقى للتدين أجمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الجامع
حينما جاءه رجل فقال له: «قل لى قولا فى الإسلام لا أسأل عنه أحدا غيرك»
قال: «قل آمنت بالله ثم استقم».
هذا هو الإسلام ببساطة ودون تعقيد. يقول ربنا عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».