هو الشاعر المشهور جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلم بن عوف بن كليب
التميمي الخطفي يكنى بأبي حزرة وهو من بنى كليب بن يربوع، وأمه أم قيس بنت
معبد ولد في اليمامة سنة 28هـ= 640م وولدته أمه لسبعة أشهر.
نشأة جرير وحياته
نشأ جرير باليمامة نشأة بدوية خالصة في بيئة عائلية أكثر أفرادها ينشدون الشعر
، فقد كان أبوه شاعرًا، وروي لأمه وأخيه شعرًا أيضًا، فجاءت ملكة الشعر عنده
بالوراثة ، وقد عاش جرير ثمانين عامًا ونيف ، وقد عاصر عثمان وعلي بن أبي
طالب من العهد الراشدي وعددًا من خلفاء الدولة الأموية أولهم يزيد وآخرهم هشام
بن عبد الملك، وقد ظل شعر جرير مغمورًا لا يرويه أحد وهو باليمامة حتى نصحه
قومه بأن يأتي العراق فأخذ بالنصيحة ونزل البصرة ثم راح يتنقل بين أمصار
الدولة الإسلامية متصلًا بالخلفاء والولاة فمدح يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان
وعمر بن عبد العزيز، وهشام بن عبد الملك والحجاج بن يوسف الثقفي وقد نال عطاء
هؤلاء الحكام وزاحم الفرزدق والأخطل فيهم.
شعر جرير
كان جرير واحدًا من فحول شعراء الإسلام في العصر الأموي، ويشبّه من شعراء
الجاهلية بالأعشى واتفقت العرب على أن جرير كان يصيغ شعرًا رقيقًا محكمًا يمتاز
بثقافة فطرية تدل على موهبته، وقد قال الأصفهاني للتدليل على سعة ثقافته:"
كان جرير ميدان الشعر من لم يجر فيه لم يرو شيئا" وذكر الأصمعي أن جريرًا
كان ينهشه ثلاثة وأربعون شاعرًا فينبذهم وراء ظهره وبالإضافة إلى أن جرير
كان من أشدّ الشعراء هجاء إلى أن شعره قد تميز بتناوله أيام العرب في
الجاهلية والإسلام، كما حفل شعره بكثير من الأحداث القديمة سواء كانت تاريخية
أو دينية أو جاهلية أو إسلامية، فأتى في شعره على ذكر عاد وثمود فيقول:
رَفَعُوا البِناءَ بنُو الوَليدِ وَأسّسوا بنايةً وصلتْ أرومةَ عادٍ وشَبّهْتَ نفسكَ أشقَى
ثَمودَ ... فقالوا ضَلِلْتَ ولم تهتَدِ
وأتي أيضًا على ذكر يوسف ويعقوب فيقول:
أللهُ فضلهُ واللهُ وفقهُ ... توفيقُ يوسفَ إذْ وصَّاهُ يعقوب
وهكذا تسير ثقافة جرير من خلال شعره في ذكر الأحداث القديمة مما يدل على
سع اطلاعه وعلمه بما يرفع الشعراء في مجالس عصرهم.
جرير والفرزدق والأخطل
كان جرير أشعر أهل عصره، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم
ولم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل وكان هو والفرزدق والأخطل مقدمون
على شعراء الإسلام الذين لم يدركوا الجاهلية وقالوا: كان جرير يحسن ضروبًا
من الشعر لا يحسنها الفرزدق وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض نحو
أربعين عامًا، وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن، وأجمعت
العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل جرير والفرزدق والأخطل قال محمد
بن سلام ورأيت أعرابيًا من بني أسد أعجبني ظرفه وروايته فقلت له أيهما عندكم
أشعر (يقصد جرير والفرزدق والأخطل) قال بيوت الشعر أربعة: فخر ومديح
وهجاء ونسيب وفي كلها غلب جرير فقال في الفخر:
إذا غضِبتْ عليك بنو تميم ... حسبتَ الناس كلهم غِضابا
وقال في المديح:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راحِ
وقال في الهجاء:
فغُضَّ الطَّرف إنك من نُمير ... فلا كعبًا بلغتَ ولا كِلابا
وقال في النسيب:
إن العيون التي في طَرْفها حَوَرٌ ... قتلْننا ثم لم يُحْيِين قَتْلانا
وقد: سُئل الأخطل: أيّكم أشعر؟ قال: أنا أمدحهم للموك وأنعتهم للخمر والحمر
يعنى النساء، وأما جرير فأنسبُنا وأشبهُنا، وأما الفرزدق فأفخرنا.
وفاة جرير
توفي جرير باليمامة سنة 110 هـ= 728م وقال ابن الجوزي:
كانت وفاة جرير في سنة 111هـ بعد الفرزدق بأربعين يومًا ولما مات
الفرزدق قال جرير: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمًا
واحدًا وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا وتبعه
صاحبه، وكان عمر جرير عند وفاته نيفا وثمانين سنة.
منقول