قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137].
تأمل قول الله تَعَالَى:﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
لتعلم أن من صفات أولي الألباب الاعتبار بما جرى للسابقين من الأمم الخالية
والأزمان الغابرةِ فإذا رأوا منازل السابقين وتناهى إلى علمهم مصارع الغابرين
فيجب عليهم أن يتساءلوا عن سبب هلاكهم، وعلة دمارهم ، وكانوا أشدَّ قوة
وأكثر أموالًا وأولادًا، حتى عمروا الأرض دهورًا ، ونحتوا من الجبال قصورًا
وبنوا حضاراتٍ عظيمةً، وشيدوا ملكًا عريقًا ، ثم مزقهم اللهُ كل ممزقٍ، وفرَّقَ
شملهم بعد اجتماعٍ، فصاروا أثرًا بعد عينٍ، وجعلهم أحاديثَ يتسامرُ بها السمَّارُ
ويتناقلها الركبان ويُتَفَكَّهُ بها في المجالس، ويتناقلها الركبان ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ
وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ [سبأ: 19].
ومهما بحثت في أسباب هلاكهم فلن تجدَ سببًا أظهر من كفرهم بالله تعالى
وتكذيبهم لأنبيائهم عليهم السلام وظلمهم لمن آمن بالله ويجمع تلك الأوصاف
الثلاثة وصفٌ واحدٌ وهو العتو والطغيان؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا *
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7 – 8].
وَقَالَ تَعَالَى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج: 45].
وهنا يقولُ تَعَالَى: فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ألا فليعتبر المعتبرون
فإن العاقل من اعتبر بغيره، فإنها سنة من سنن الله تعالى في خلقه؛ ﴿ سُنَّةَ
اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 62].
وسنن الله لا تتبدل ولا تتحول؛ ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّ
تَحْوِيلا ﴾ [غافر: 43].