السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
(*)
أزهد الناس
******
ازهد الناس
من
أخبار السلف الصالح ان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب كان قد عين عمير بن
سعد عاملاً على حمص ( أي محافظاً بلغة اليوم ) وبعد مضي عامين على ذلك
التعيين ارسل عمر في طلب عمير فأتاه دون تأخير ، فلما نظر اليه عمر وجده
يمشي حافياً ، وليس بيده شيء من المتاع والهدايا التي اعتاد الناس رؤيتها
مع الولاة عند عودتهم فاندهش عمر من الحال التي رأى فيها عميراً وهو الآتي
من بلد زراعية غنية بخيراتها .
فقال
له عمر : هل كان مجئك استجابة لدعوتنا ؟ ام ان سؤاً حصل في حمص فأردت
ابلاغنا ؟ فقال عمير: لقد جئت اليك بالدنيا اجرها بقرابها فقال له : وما
معك ؟ قال : عكازة اتوكأ عليها وادفع بها عدواً ان لقيته وجراب احمل به
طعامي وهذه القربة التي اضع فيها ماءً لشربي وطهوري وتلك القصعة التي أتوضأ
فيها واغسل فيها رأسي وآكل فيها طعامي ولا شيء غير ذلك .
فقال عمر
: وما صنعت في عملك يا عمير ؟ فقال : أخذت الزكاة ممن هي واجبة عليهم ثم
قسمتها على الفقراء والمساكين وابناء السبيل فوالله يا أمير المؤمنين لو
بقي عندي شيء منها لاتيتك به .
فقال عمر : عد الى عملك أي استمر في
وظيفتك فقال عمير : لو اذنت لي يا أمير المؤمنين ان أذهب الى أهلي فقد
طالت غيبتي عنهم . فأذن له عمر ان يأتي أهله ثم بعث خلفه رجلاً يقال له
حبيب فقال: أذهب واختبر لي عميراً وانظر حاله عندما ياتي اهله ، هل هو
بالحال التي اتانا بها ؟ ام انه اخفى عنا حقيقة امره فأتى حبيب الى دار
عمير ونزل عنده ثلاث ايام حتى يرى حاله اهو في سعة ام ضيق ؟ فلما مضت
الثلاث الايام قال عمير : ياحبيب ارى ان تتحول الى جيراننا فلعلهم يكونون
اوسع عيشاً منا فإننا والله لو كان عندنا غير هذا الاثرناك به .
فدفع
حبيب بمائة دينار الى عمير وقال : قد بعث بها امير المؤمنين اليك لما رآك
على الحال التي كنت فيها فأرسلني لاستطلاع حالك فان رأيتك في بيتك وبين
اهلك في حال غير الحال التي رآك فيها عدت اليه لأخبره بأمرك أما وقد رأيتك
في حالتك هذه فاني ملزم باعطائك ما تدبر به امورك وتشتري لاهلك ما يشأؤون
من الهدايا . ثم عاد حبيب الى عمر وقال : جئتك من عند ازهد الناس .
لقد
تذكرت هذه الحكاية الان لما فيها من شبه بين حال والي امير المؤمنين عمر
بن الخطاب على حمص عند تركه الولاية وحال والي الرئيس علي عبدالله صالح على
عدن الاستاذ الدكتور يحيى الشعيبي الذي كان مضرب المثل في النزاهة
والاخلاص فقد امضى عامين في تولي امر قيادة محافظة عدن ولم نسمع عنه الا كل
خير ولم يكن قط متاجراً بالاراضي كما فعل غيره ولا هو ممن استغلوا المال
العام لأغراض خاصه بل كان راعياً اميناً للمصلحة العامة وسنداً للضعفاء
وناصراً للمضطهدين وكان بالفعل كما قال فيه القائل :
الحق يحكي فسجل ايها القلم *** ( يحيى الشعيبي) مشت في ركبه الهمم
هذا المحافظ اضحى للضعيف يد *** وللشيوخ لسان إن همو وجموا
هو الطبيب اذا زادت مواجعهم *** هو الدواء لمرضاهم اذا سقموا
هو الوفي لمن أدوا رسالتهم *** من الرجال الألى غاصت بهم قدم
هو الحبيب لمن يعلون رايتن *** من الشباب الألى اخلاقهم شيم
هو الحنون على الاطفال يرحمهم *** يحمي الملاعب والساحات حقهم
عف اليمين طهور القلب مؤتمن *** على العباد بحبل الله يعتصم
حتى سما في سما الاخلاق مرتفعاً *** فخلته لبلوغ المجد يقتحم
ولم
يكن بدعاً ان يقال فيه الشعر كنوع من الوفاء لما قدم من اعمال جليلة
لمحافظة عدن ولكن العجيب انه لم يطل به المقام في هذه المحافظة حتى يرى
ثمار غرساته ونتائج مثابراته فسرعان ما تم تحويله الى امانة العاصمة خلفاً
للأخ احمد محمد الكحلاني الذي كان هو الآخر قد أرسى دعائم نهضة عمرانية
حديثة في العاصمة ووضع قواعد متينه لعاصمة نظيفة وربما ادركت القيادة
السياسية بحنكتها المشهودة ما يمكن ان يقدمه كل منهما من اضافات تكمل بعضها
بعضا حين عينت الكحلاني ليخلف الشعيبي وعينت الشعيبي ليخلف الكحلاني
فكلاهما خير خلف لخير سلف .
ومع توديعنا للشعيبي بالدموع فإننا
نرحب ترحيباً حاراً بالكحلاني مع تحذيرنا لكليهما من مافيا الفساد التي من
عادتها ان تكيف نفسها بحسب ظروف الزمان والمكان والمتغيرات مع اطيب
التمنيات بالتوفيق لكليهما .