إن شهادة الواقع أعلى الشهادات لأن الإنسان يصل
بواسطتها إلى اليقين الذي لا يخالطه شك فليقم الإنسان بإجراء اختبار كامل
لكل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل . فإذا ما وجد أن
كل قول وفعل مما يمكن أن يدخل تحت الاختبار لا يخرج عن الحق والصدق . لم
يبق أمام الإنسان إلا طريق واحد هو الإيمان والتصديق . وسنرى في الباب
الثاني أن الاختبار الكامل للقرآن يجعلك – على مثل الشمس وضوحاً – أن
القرآن كله حق وصدق وأنه من عند الله ، وسنرى في الباب الثالث – إن شاء
الله – أن الاختبار الكامل لنبوءاته يدلك على أن المستقبل كان كشفاً لها
وتوكيداً . أما هنا فسننقل نماذج من مزاحه ومداعباته لنرى أنها لا تخرج عن
الحق والصدق ، ونماذج عن وعوده وعهوده وصدقه فيها ، ونماذج من أحاديثه التي
يستطيع الإنسان أن يعرف صدقها بالاختبار ، لنرى العجب في مطابقة ما عرفه
إنسان عصرنا بعد التجربة ، لما نطقت به شفتا رسول الله rمن عصور ، وسنختم هذه الفقرة بالتذكير بأن المصدر الوحيد الذي نستطيع أن نأخذ عنه العلم بالغيبيات بثقة هو رسول الله r ، وكلامه حجة على غيره فيه ، مع مناقشة بعض القضايا التي لها علاقة بهذا الأمر ونبدأ باستعراض ما ذكرنا :
1- نماذج من صدقه صلى الله عليه وسلم في مزاحه ومداعباته :
إن الناس عادة لا يلتزمون الصدق في المزاح ، ولكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم داعب صادقاً ومازح صادقاً وألزم أمته الصدق
في كل حال .
أخرج أحمد عن أنس بن مالك : " أن رجلاً أتى النبي فاستحمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا حاملوك على ولد ناقة ، فقال يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة ؟ فقال رسول الله r: وهل تلد الإبل إلا النوق ؟ " رواه أبو داود والترمذي .
وقال زيد بن أسلم : " إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت : إن زوجي يدعوك ، قال : ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟ قالت :
والله ما بعينه بياض . فقال : بل إن بعينه بياضاً . فقالت : لا والله .
فقال : ما من أحدٍ إلا وبعينه بياض " هو أراد البياض المحيط بالحدقة وهي
فهمت البياض على الحدقة الذي يكون به الرجل أعورَ .
وأخرج أحمد عن أنس : " أن رجلاً من أهل البادية كان
اسمه زاهراً ، وكان يهدي النبي الهدية من البادية فيجهزه النبي إذا أراد أن
يخرج . فقال رسول الله r : إن زاهراً باديتنا ونحن حاضره ، وكان رسول الله يحبه وكان رجلاً دميماً . فأتاه رسول الله r وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل ، فقال : أرسلني من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم
فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه وجعل رسول الله يقول : من
يشتري العبد ؟ فقال يا رسول الله إذن والله تجدني كاسداً ، فقال رسول الله :
لكن عند الله لست بكاسد . أو قال لكن عند الله غالٍ " . رواته ثقات . فأنت
ترى من سياق الحديث أنه عنى بالعبد عبد الله وكلنا عبد الله .
وأخرج الترمذي في الشمائل عن الحسن قال : " أتت عجوزٌ النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة : فقال : يا أم فلان إن
الجنة لا تدخلها عجوز ، فولت تبكي فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز
إن الله تعالى يقول : {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} " .
وأخرج الترمذي في الشمائل عن أنس قال : " قال لي رسول الله : يا ذا الأذنين " . قال أبو أسامة يعني يمازحه ، وكل إنسان له أذنان .
فأنت ترى من هذه الأمثلة أنه داعب ومازح دون أن يخرج عن الحق والصدق ،
ولكنه استعمل هذا الصدق استعمالاً لطيفاً ، على غير المتعارف . ففهم
المخاطب فهماً كانت فيه نكتة وهكذا كانت مداعباته كلها حقاً .
أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال : " قالوا : يا رسول
الله ! إنك تداعبنا ، قال : إني لا أقول إلا حقّاً " . إنها نبوة صدق وما
كان للنبوة أن يكون للباطل عندها أو معها نصيب .
2- نماذج من صدقه صلى الله عليه وسلم في وعوده وعهوده :
أخرج أبو داود عن عبد الله بن أبي الخنساء قال : " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم
قبل أن يبعث وبقيت له بقية فواعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك . فنسيت يومي
والغد فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه ، فقال : يا فتى لقد شققت عَلَيَّ
، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك " .
وأخرج ابن حبان والحاكم : " كان صلى الله عليه وسلم
جالساً يقسم غنائم هوزان بحنين فوقف عليه رجل من الناس فقال : إن لي عندك
موعداً يا رسول الله . قال : صدقت فاحتكم ما شئت . قال : أحتكم ثمانين
ضائنة وراعيها . قال : هي لك وقال : احتكمت يسيراً ... "
وأخرج الحاكم عن حويطب بن عبد العزى في قضية إسلامه
عندما كان مشركاً تولى مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلاء عن مكة في
عمرة القضاء بعد انقضاء مدة الثلاثة أيام المتفق عليها يقول حويطب : "
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخرجت قريش من مكة كنت
فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو فقلنا : قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا
فصاح يا بلال لا تغب الشمس وواحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا " .
وهذه فقرأت من كتاب ( بطل الأبطال ) يحلل فيها صاحبه
بعض مواقف الوفاء بالعهد والوعد التي وقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : " قبل سنة من هدنة الحديبية كانت قريش تحاصر المدينة وقد جمعت لذلك
الأحزاب من أهل القرى والأعراب فنقض بنو قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم . واشتد بذلك الكرب وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً ، ولكن الله
نصر عبده ، وأعزه وألقى الرعب في قلوب المشركين ، ولم تمض إلا فترة وجيزة
حتى كان جيش الإسلام بقيادة رسول الله يزحف إلى مكة ، فنزل الحديبية وبعثت
قريش رسلها إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وهو ذا عروة بن مسعود الثقفي رسولها يعود إليها يصف حال محمد صلى الله عليه وسلم وجنده بهذه العبارة :
" إني قد جئت كسرى في ملكه ، قيصر في ملكه والنجاشي في ملكه ، وإني والله
ما رأيت ملكاً في قومه قط مثل محمد في أصحابه " . كان محمد في منعة وقوة
ولكنه كان يعلن أنه لا يريد الحرب ، ويقول : لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة
يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها . فلما جاءه سهيل بن عمرو
مفوضاً من قريش لعقد الهدنة يرجع بها محمد وجيشه عن دخول مكة ، كان من شروط
هذه الهدنة شرط ظاهر الغبن وهو أن محمداً يسلم إلى قريش من لجأ إليه من
المسلمين بغير إذن وليه ولا يطلب تسليم من لجأ إلى قريش من أتباعه ...
ذلك الشرط أهاج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حتى إن
عمر – رضي الله عنه – كان يذهب تارة إلى أبي بكر وتارة أخرى إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم ويقول : ألسنا المسلمين ! أليسوا المشركين ! ألست رسول
الله !!.. فعلام نعط الدنية في ديننا ؟ فيقول الرسول : أنا عبد الله ورسوله
لن أخالف أمره ولن يضيعني ، ويقول أبو بكر : أشهد أنه رسول الله . فقبول
المسلمين هذا الشرط هو استسلام منهم لأمر لم يدركوا سره ، وكان ذلك أعظم
بلاء وامتحان لصبرهم ، وبينما هم على هذه المضاضة وقد فرغ الرسول صلى الله
عليه وسلم من الجدل مع مفوض قريش سهيل بن عمرو ، ولم يكتب العقد ولم يمض ،
جاءهم أبو جندل مستصرخاً يرسف في قيوده وأبو جندل هذا هو ابن سهيل بن عمرو
نفسه ، فلما رأى سهيل ابنه قام إليه وأخذ بتلابيبه وقال : يا محمد قد لجت
القضية بيني وبينك – أي فرغنا من المناقشة – قبل أن يأتيك هذا . قال النبي
صلى الله عليه وسلم : صدقت ، وأبو جندل ينادي يا معشر المسلمين ! أأرد إلى
المشركين يفتنونني في ديني ؟ تصوروا ذلكم المقام مقام محمد صلى الله عليه
وسلم وهو الشجاع الذي حدثتكم عن شجاعته المنقطعة النظير ، وهو القوي الذي
خرج من المدينة زاحفاً بجيش . سمعتم الآن وصف عروة بن مسعود له تصوروه وهو
يرى أقرب أصحابه ( في حالة تذمر ) ثم تصوروا لاجئاً يرسف في القيود ، وهو
من أبناء الأعزة في قريش ، يرسف فيها ( اتباعاً ) لمحمد ودين محمد ، ثم
انظروا إليه لا يحتال ولا يتردد ولما يكتب ولما يمض ، يقول لسهيل : صدقت
لقد لجت القضية ، ويرد صاحبه باكياً إلى أعدائه تصوروا كل ذلك ، ثم ليكتب
إليَّ من يشاء بمثل واحد في تاريخ البشر كله كهذا المثل يضربه محمد في
رعاية الكلمة التي قالها ولما تكتب ولما تمض .
ويقول صاحب الكتاب ذاكراً مثلاً آخر :
ثم انظروا إلى وفائه للمشركين أيضاً : كان بين شروط
هدنة الحديبية أن من شاء دخل في عقد محمد وعهده ، ومن شاء دخل في عقد قريش
وعهدها . فدخلت خزاعة على شركها في عهد محمد فلما نقضت قريش عهدها معه
ونصرت حليفتها بكراً عليها . ذهب عمرو بن سالم الخزاعي يطالب ( رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالعهد ويطلب ( منه ) نصر حلفائه فوقف على رسول الله وهو في المسجد ينشده ويقول :
يا رب إني ناشد محمداً حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا اعتدا وادع عباد الله يأتوا مددا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فكان ذلك الاعتداء على المشركين من حلفاء المسلمين
سبباً في تجهيز أضخم جيش عرفته الجزيرة والسير لنصرة الحليف وكان من آثار
ذلك فتح مكة كما هو معروف هذه أمثلة سقناها من وفاء ( رسول الله صلى الله
عليه وسلم ) لأعداء الملة وقد عاهدهم ... أو قبل محالفتهم على غيرهم " .
هذه نماذج من صدقه في وعده وعهده وسواها كثير فما حدث
أن وعد رسول الله ، أو عاهد فأخلف أو غدر . روى البخاري أن هرقل لما سأل
أبا سفيان عن محمد : هل يغدر ؟ فأجاب أبو سفيان : لا . فقال هرقل بعد ذلك :
وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر " .
إن الغدر نوع من أنواع الكذب والخلف بالوعد كذب . والرسول صلى الله عليه وسلم
منزه عن ذلك ، ومن النماذج القليلة التي ذكرناها ترى أنه ما أحد من البشر
غير الرسل وصل إلى ما وصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الوفاء لشرف
الكلمة ، إلا إذا كان تلميذاً من تلامذته ، يقتدي به . لقد كانت كلمة
الرسول صلى الله عليه وسلم هي الضمان الذي ما بعده ضمان ، حتى أن ألد خصومه
وأعرقهم في دعواته كان لا يتردد إذا تأكد أن محمداً أمنه أن يلقي بنفسه في
أحضان المسلمين ، ثقة منه أن كلمة محمد ضمان لا يعدله ضمان . ومن تتبع
حوادث السيرة وجد الأمثلة الكثيرة على هذا ، إنها صفة الصدق عن الأنبياء لا
تتخلف .
3- نماذج من حديثه صلى الله عليه وسلم الذي صدقته علوم عصرنا من غير النبوءات :
أ) – قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : "
إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي
الآخر دواء " .
إن هذا الحديث ذكر قضيتين كلتاهما لم تكونا معروفتين
قديماً . أولاهما أن الذباب ناقل داء وهذا شيء أصبح الآن معروفاً لدى
الجميع ، فالذباب ناقل جراثيم ممتاز . والثانية وهي التي يجهلها الكثير أن الذباب يحمل مضادات للجراثيم من النوع الممتاز كذلك ، وهذا تحقيق كتبه " الدكتور عز الدين جوالة " حول هذا الموضوع ننقل منه ما يلزمنا هنا يقول :
قبل الخوض في هذا الموضوع لنتذكر ما يلي :
1- من المعروف منذ القديم أن بعض المؤذيات قد يكون في
سمها نفع ودواء ، فقد يجتمع الضدان في حيوان واحد ، فالعقرب في إبرتها سم
ناقع ، وقد يداوى سمها بجزء منها ، وفي ذلك يقول العلماء : " وقد وجدنا
لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر شفاء ودواء فيما أقامه الله من عجائب
خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر ، منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع
ويكمن في إبرتها السم الناقع ، والعقرب تهيج الداء بإبرتها ويتداوى من ذلك
بجرمها "
2- وفي الطب يحضر لقاح من ذبيب الأفاعي والحشرات السامة يحقن به لديغ
العقرب أو لديغ الأفعى ، بل وينفع في تخفيف آلام السرطان أيضاً .
3- إن الطب الحديث استخرج من مواد مستقذرة أدوية حيوية قلبت فن المعالجة
رأساً على عقب ، فالبنسلين استخرج من العف ، والستربتو مايسين من تراب
المقابر .. إلخ أو بمعنى أدق من طفيليات العفن وجراثيم تراب المقابر . أما
والحالة كذلك ، فهل يمتنع عقلاً ونظرياً أن يكون في الذباب هذه الحشرة
القذرة ، والتي تنقل القذر طفيلي أو جرثوم يخرج أو يحمل دواء يقتل هذا
الداء الذي تحمله .
4- من المعروف في فن الجراثيم أن للجرثوم ذيفاناً ( مادة منفصلة عن
الجرثوم ) وأن هذا الذيفان إذا دخل بدن الحيوان كَوَّنَ البدن أجساماً ضد
هذا الذيفان ، لها قدرة على تخريب الذيفان والتهام الجراثيم ، تسمى بمبيدات
الجراثيم .
فهل يستبعد القول بأن الذباب تلتهم الجراثيم فيما تلتهم ، فيكون في جسم
الذباب الأجسام الضدية المبيدة للجراثيم والتي مر ذكرها ، ولها القدرة على
الفتك بالجراثيم الممرضة التي ينقلها الذباب إلى الطعام أو الشراب ، فإذا
وقعت في الطعام فما علينا إلا أن نغمس الذبابة فيه فتخرج تلك الأجسام
الضدية فتبيد الجراثيم التي تنقلها وتقضي على الأمراض التي تحملها.
وبعد كلام للدكتور عز الدين ، يستمر فينقل تحقيقاً للطبيبين المصريين
محمود كمال ومحمد عبد المنعم حسين في إثبات ما في الحديث ، ننقل بعضاً منه ،
يقولان :
ما تقوله المراجع العلمية :
في 1871 وجد الأستاذ الألماني " بريفلد " من جامعة هال بألمانيا أن
الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماها " امبوزاموسكي " وهو
طفيلي يعايش الذبابة على الدوام ، وبالتدقيق فيه وجده من نوع الفطور التي
تسمى " انتوموفترالي " تنتمي إلى أهم فصيلة في الفطور الأشنية ، وهي
المسَّاه بالفطور الشنية المرتبطة أو المتحدة ، وهو من النوع الثاني للفطر
المسمّى الفطور الأشنية الطفيلية ، وهذا الطفيلي يقضي حياته في الطبقة
الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة بشكل خلايا مستديرة فيها خميرة خاصة
سيأتي ذكرها . ثم لا تلبث هذه الخلايا المستدير أن تستطيل فتخرج من الفتحات
أو من بين مفاصل حلقات بطن الذبابة فتصبح خارج جسم الذبابة .
ودور الخروج هذا يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر ،
وفي هذا الدور تتجمع بذور الفطر داخل الخلية ، فيزداد الضغط الداخلي للخلية
من جراء ذلك ، حتى إذا وصل الضغط إلى قوة معينة لا تحتملها جدر الخلية
انفجرت الخلية وأطلقت البذور إلى خارجها بقوة دفع شديدة ، تدفع البذور إلى
مسافة 2 سم خارج الخلية ، على هيئة رشاش مصحوباً بالسائل الخلوي .
وعلى هذا إذا أمعنا النظر في ذبابة ميتة ومتروكة على الزجاج نشاهد :
أ – مجالاً من بذر هذا الفطر حول الذبابة المذكورة .
ب – ويشاهد حول القسم الثالث والأخير من الذباب على بطنها وعلى ظهرها
وجود الخلايا المتفجرة ، التي خرجت منها البذور ، وقد برز منها رؤوس
الخلايا المستطيلة التي مر ذكرها . وقد جاءت مكتشفات العلماء الحديثة مؤيدة
ما ذهب إليه " بريفلد " ومبينة خصائص عجيبة لهذا الفطر الذي يعيش في بطن
الذبابة منها :
1- في عام 1945 أعلن أكبر أستاذ في علم الفطريات وهو "
لانجيرون " أن هذا الفطر الذي يعيش دوماً في بطن الذبابة على شكل خلايا
مستديرة فيها خميرة خاصة ( أنزيم ) قوية تحلل وتذيب من أجزاء الحشرة
الحاملة للمرض .
2- في عام 1947 – 1950 تمكن العالمان الإنجليزيان "
آرنشتين وكوك " والعالم السويسري " روليوس " من عزل مادة سموها " جافاسين "
استخرجوها من فصيلة الفطور التي تعيش في الذباب وتبين لهم أن هذه المادة
مضادة للحيوية تقتل جراثيم مختلفة من بينها جراثيم غرام السالبة والموجبة
والديزانتريا والتيفوئيد .
3- وفي عام 1948 تمكن " بريان وكورتيس وهيمنغ وجيفيرس
وماكجوان " من بريطانيا من عزل مادة مضادة للحيوية أسموها " كلوتيزين "
وقد عزلوها عن فطريات تنتمي إلى نفس فصيلة الفطريات التي تعيش في الذباب
وتؤثر في جراثيم غرام السالبة كالتيفوئيد والديزينطريا .
4- وفي عام 1949 تمكن عالمان إنجليزيان هما " كومسي
وفارمر " وعلماء آخرون من سويسرا هم " جرمان وروث واثلنجر وبلاتنز " من عزل
مادة مضادة للحيوية أيضاً أسموها " انياتين " عزلوها من فطر ينتمي إلى
فصيلة الفطر الذي يعيش في الذباب وتؤثر بقوة على جراثيم غرام موجب وسالب
وعلى بعض فطريات أخرى كالزحار والتيفوئيد والكوليرا .
5- وفي عام 1947 عزل " موفيتش " مواد مضادة للحيوية
من مزرعة للفطريات الموجودة على نفس جسم الذبابة ، فوجدها ذات مفعول قوي
على الجراثيم السالبة لصيغة غرام . كالزحار والتيفوئيد وما يشابهها ووجدها
ذات مفعول قوي على الجراثيم المسببة لأمراض الحميات ذات الحضانة القصيرة
المدة . وأن غراماً واحداً من هذه المادة يمكنه أن يحفظ أكثر من 1000 لتر
من اللبن المتلوث بالجراثيم المذكورة .
والخلاصة يستدل من كل ما سبق أنه :
1- يقع الذباب على الفضلات والمواد القذرة والبراز وما شابه ذلك ، فيحمل بأرجله أو يمج كثيراً من الجراثيم المرضية الخطرة .
2- يقع الذباب على الأكل فيلمس بأرجله الملوثة للمرض
هذا الطعام ، أو هذا الشراب ، فيلوثه بما يحمل من سم ناقع ، أو يتبرز عليه
فيخرج مع ونيمها تلك الجراثيم الدقيقة الممرضة .
3- فإذا حملت الذبابة من الطعام ، وألقيت خارجه دون
غمس ، بقيت هذه الجراثيم في مكان سقوط الذباب ، فإذا التهمها الآكل وهو لا
يعلم طبعاً ، دخلت فيه الجراثيم ، فإذا وجدت أسباباً مساعدة تكاثرت ثم صالت
وأحدثت لديه المرض ، فلا يشعر إلا وهو فريسة للحمى طريحاً للفراش .
4- أما إذا غمست الذبابة كلها ، أو مقلت في الطعام
فماذا يحدث؟ إذا غمست الذبابة أحدثت هذه الحركة ضغطاً داخل الخلية الفطرية
الموجودة مع جسم الذبابة فزاد توتر البروز والسائل داخلها زيادة تؤدي إلى
انفجار الخلايا ، وخروج الأنزيمات الحالة لجراثيم المرض والقاتلة له ، فتقع
على الجراثيم التي تنقلها الذبابة بأرجلها فتهلكها وتبيدها ، ويصبح الطعام
طاهراً من الجراثيم المرضية .
5- وهكذا يضع العلماء بأبحاثهم تفسيراً للحديث النبوي المؤكد لضرورة غمس الذبابة كلها في السائل أو الغذاء ليخرج من بطنها الدواء الذي يكافح ما تحمله من داء .
ويستنتج من ذلك أن العلم الحديث قد حقق ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم .
فقد أثبت العلم الحديث أن الذباب ينقل الجراثيم
والأقذار بأرجله من النفايات والكنف والمزابل إلى الأطعمة والأشربة ، وإلى
فتحات الوجه والتنفس فيسبب الأمراض المعدية من تيفوئيد وسل وكوليرا وغيرها ،
وهذا ما أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم من أن بأحد جناحي الذبابة
الداء .
والداء يجب الوقاية منه والبعد عنه ، ولا يكون لك إلا بمكافحة الذباب وإبادته والاحتراس منه .
ويقرر العلم الحديث أيضاً كما رأينا أن في الذباب طفيليّاً له ذيفان
يبيد الجراثيم ويفتك بها بشدة ، وأن هذا الذيفان لا ينفصل عن جرثومة إلا
بعد وصول توتره إلى درجة معينة ، يكفي لبلوغه الضغط عليه بغمسه ولو في
الشراب أو الطعام . وهذا ما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ، {وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} .(النجم : 3 ،
4)
ب )- عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت : إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال : " لا إن
ذلك دم عرق ، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي "
.
المسألة هنا كما يلي : للمرأة عادة شهرية يخرج فيها
الدم من رحمها كأثر من آثار عدم تلقيح بويضة الأنثى بماء ا