وسارعوا
إن الله تعالى قد جعل هذه الدنيا محل اختبار، والآخرة هي دار القرار، فيها يكون
المصير إما إلى جنة وإما إلى نار. ولما كانت الآخرة هي حصاد لما يقدمه العبد
في الدنيا فقد أوصى الله تعالى عباده بالمبادرة والمسارعة في الأعمال الصالحة
بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
وقد أدرك أقوام هذه الحقيقة فسارعوا إلى فعل الطاعات، ولم يترددوا في ترك
المعاصي والمنكرات، حالهم حال المتنافسين في ميدان السباق، يبذلون كل
جهودهم ويغتنمون كل لحظاتهم ليدركوا الدرجات العلى عند ملكهم ومولاهم.
غدا توفى النفوس ما كسبت *** و يحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحســـنوا لأنفســـــــــهم *** وإن أساءوا فبئس مــا صنعوا
وحين ينظر العبد إلى الدنيا بهذا المنظار فإنه لا يُفتح له باب من أبواب الخير
إلا ولجه، ولاحظٌ من عبادة أو طاعة إلا فعلها دون تسويف أو تأخير؛ لأن حاله
حال الذي ينتظر نهاية الدنيا في أية لحظة.
ها هو نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة يعلمنا أن نكون مبادرين
إلى مرضاة الله تبارك وتعالى، كما في الحديث الذي يرويه عُقبةَ بن الحارث
رضي الله عنه يقول: صَلَّيتُ وَرَاءَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالمَدِينَةِ العَصْرَ،
فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعاً، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ
مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيهمْ، فَرأى أنَّهمْ قَدْ عَجبُوا مِنْ سُرعَتهِ، قَالَ: "ذَكَرتُ شَيئاً
مِنْ تِبرٍ عِندَنَا فَكَرِهتُ أنْ يَحْبِسَنِي فَأمَرتُ بِقِسْمَتِهِ". رواه البخاري. وفي رواية
لَهُ: "كُنتُ خَلَّفتُ في البَيْتِ تِبراً مِنَ الصَّدَقةِ فَكَرِهتُ أنْ أُبَيِّتَهُ". "التِّبْرُ": قِطَعُ
ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.
وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه : أن رَسُول الله صلى الله عليه
وسلم، قَالَ: "بادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إلا فَقراً مُنسياً، أَوْ غِنىً مُطغِياً،
أَوْ مَرَضاً مُفسِداً، أَوْ هَرَماً مُفْنداً، أَوْ مَوتاً مُجْهزاً، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ
السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ أدهَى وَأَمَرُّ". رواه الترمذي، وَقالَ : (حديث حسن).
قدِّم لنفسك قبل موتك صالحًا *** واعمل فليس إلى الخلود سبيل
اغتنم عشر ذي الحجة
ها نحن نقف على أعتاب العشر الأوائل من ذي الحجة، وهي ميدان يتنافس
فيه المتنافسون بالأعمال الصالحة؛ لأنها خير الأيام عند الله تبارك وتعالى،
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أفضل أيام الدنيا أيام العشر". (رواه البزار).
والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من غيرها، فعن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح
فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" (يعني أيام العشر)، قالوا: يا رسول الله،
ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه
وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"، (رواه أبو داود).
فشمِّروا عن ساعد الجد وبادروا بالأعمال الصالحة فإننا لا ندري متى تغلق الأبواب:
سابـق إلى الخيـر وبادر به *** فإنما خلفك مـا تعلـم
وقــدم الخير فــكل أمــرىء *** على الذي قدَّمه يقدُم