إن الطواف حول الكعبة عكس عقارب الساعة يحكي حركات كل ما في هذا الكون من اصغر شيئ إلى أكبر شيئ ففيه إشارة لحركة الكون حيث ان الكون
من الذرة إلى المجرة يدور بهذا الاتجاه والدوران ظاهرة كونية تشمل كل شيء
فالإلكترون يدور حول النواة والأقمار تدور حول كواكبها والكواكب تدور حول
شموسها والشموس والنجوم تدور حول مركز مجرّاتها والطاقة تدور في مساراتها
وكلها تدور باتجاه واحد كما يطوف الحجيج حول الكعبة
إنها رمز للظاهرة التي فطر الله عليها الكون كله والطواف سنة الله الواحد الأحد
في هذا الكون عندما تتصاعد وتيرة الحياة
أنت بحاجة لتتذكر الجانب الآخر من ذاتك .. روحك يحتاج الإنسان أن ينسى
الدنيا ويتذكر خالقها ينسى الأسباب ويتذكر مسببها يستعيد إنسانيته التي خلقه
الله عليها يتذكر معركته الرئيسية مع الشيطان يتحرر من أسر المادة ومن
هاجس الحسابات البنكية والضرائب أن يعود إنسانا كما خلقه الله بدون رتوش
وندوب وتشوهات تتركها الحياة داخل كل منا
الحج هو مجموعة من الطقوس الرمزية يؤديها المسلمون تلبية لأمر الله هو
موسم يتجمع فيه المسلمون من كل أقطار الأرض فقد تجد الأفرريقي مع
الآسيوي ، الأمريكي مع الروسي ، العربي مع الهندي ، الأبيض مع الأسمر
ملايين الألسنة
تلهج كلها بكلمة واحدة " لبيك اللهم لبيك "
إنها وحدة البشرية كلها تحت راية الإله الواحد بعيداً عن صخب الأطماع
والطموحات والصراعات
ولباس المسلمون في ذلك اليوم هو اصدق تعبير عن حالة تجرد من الدنيا
والإخلاص لله وحده ، قماش أبيض نقي يرتديه الإنسان على اللحم كما ولد
أول مرة
فيحقق هدف الستر وينزع هدف الفخر بالأزياء
فالدخول على الله يحتاج لنزع كل ما هو مدعاة للفخر أو الزينة والملفت للنظر
أنه اللباس الذي توصل إليه كل من اراد أن يعطي رسالة الزهد والترفع عن
الدنيا حتى من غير المسلمين وفي تلك الهيئة المهيبة التي يتحد فيها المسلمون
فلا تعرف أميرهم من عاملهم ولا غنيهم من فقيرهم إنها لحظة لقاء الله وكلنا
فيها كأسنان المشط متساويين
والواقع أن يحج ابعد ما يكون عن الطقس وثنى
والمسلم يفهم المعنى السمى للحج فالحجارة الصماء والحركة المجردة
لا تضر ولا تنفع كما هو ثابت في الإسلام الذي جاء لهدم الوثنية
لهذا يقول المسلم " لبيك اللهم لبيك "
وليس لبيك أيتتها الكعبة فتوجه كله لله وليس للحجر أو الكعبة
فالطواف حول الكعبة ثم إلقاء الجمرات على حجر يرمز للشيطان
ثم السعي بين جبلي الصفا والمروة والوقوف على جبل الرحمة " عرفات "
كلها ترميزات مادية لمعان روحية عميقة مثل الحرب على الشيطان والسعي
لرضا الله
والتوحد والمساواة بين البشر فلا يكفي بالإنسان أن يعتقد بقلبه بل يجب أن
يتوحد هذا القلب بالشعور مع اللسان بالقول مع الأعضاء بالعمل .. للتعبير
عن عبوديته التامة لله إنه أكبر مؤتمر سنوي في العالم لمعتنقي فكرة التسليم
لله إنه الجانب الذي يتساوى فيه كل المسلمون بعيداً عن نوع السيارات التي
يركبها كل منهم أو مسماهم الوظيفي فتتطهر قلوبهم وتصفوا نفوسهم
لذا فإنك إن اديت الحج كما ينبغي
فسوف ينطبق عليك قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال :
" من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه "