كَمْ مِن المراتِ قدْ مزّقتْ كلماتُك قلوبَ الكثيرين، كم من الخواطر قد كسرتْ
كلماتُك وأنت تستهين، كم مرةٍ حلّقتْ كلماتُك بالقلوب، كم مرةٍ انتصرتْ لمغلوب.
تقولها وتمضي .. ولا تدري كم كانت تكوي، ولا تدري كم مكثت تدوّي،
وقد تقولها وتمضي، ولا تدري كم من جرزاءٍ تروي، وكم إلى طريق تهدي.
يحدث أن تداعى عليك الأرزاء، ويحوم حولك البلاء، ويتربص بك الأعداء،
فتأتي كلمة، فتربِتُ على قلبك الكسير، وتهشّم قيود فؤادك الأسير، تمسح بيمينها
على رأسك، وتوقف بالأخرى دمع عينك، تنتشلك من صياصي الأحزان، لتحوّم
بالأفنان.
أنت بين أن تجعل كلماتك صدقات، وبين أن تجعلها ويلات، بين أن تؤلّف بين
الناس، وبين أن تنوب عن الوسواس الخنّاس، بين أن تورد متلقيها البيد والفيافي
والقِفار، وبين أن توردهم العيون والأنهار والبحار.
كم كنت أتشوّف لمن يرفرف بروحي في فضاءات من حبور، ألست الصديق الذي
يُعتد به؟ إذًا ما لي أراك تحيّد عن كل دروب السرور؟ أتحرص على اختيار الفظّ
من الكلام؟ ألا تدري أنّ بعض الكلام كِلام؟ هَبْني على شفا حفرةٍ من الضياع،
أتخلّيني لذئاب الهم والسِّباع؟ أتقرّ بلابلك بذلك؟ ليت شعري ماذا طحا بك؟
لا تبع الضلالة بالهدى، ولا تنفق كلامك سدى، "فلكل مقام مقال"، فلا تصدّنّ
بكلامك الجامد إقبال المحبين، ولا تنفرنّ كل ذي أدبٍ ولين، واعلم أنّ من الكلام
ما يرجح السماوات والأرض، وإنّ منه كالهباءة لا يمكث على أرض، وإنّ منه ملّة
وعهدا ودينا، وإنّ منه ميثاقا وأحكاما للعالمين.
قبيحٌ جدا أن يخلو لسانك المهذار من كلمات تشفع لك عند ربك، أتكون ثرثارا في
كل قبيحة، وتغدو بكيما عن كل مليحة، ما لي ألفيتك تضنّ بالكلمات المؤنسات؟
أتذرها في آطامٍ حبيسات؟ أتتأبّى وقد يدخلْنك الجنات؟ ألا ترجو أن يقيك الله بهنّ
اللفحات؟ أم أنّ الفراديس لا يستأهلنّ أن تبذل لهنّ الكلمات الغاليات؟
تقولها ولا تلوي على شيء، وربك لا يعزب عنه شيء.