﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
هذا هو جوابُ القَسَمِ في أولِ السُّورةِ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾..
فاللهُ تعالى يُقسِمُ أنَّ أعمالَ العبادِ مُخْتَلِفةً اختلافًا كبيرًا.. واختِلافُ الأعمالِ
نتِيجةٌ لاختِلافِ الهِممِ..
والهمَّةُ هيَ تَوجُهُ القلبِ بجمِيعِ قُواهُ لبُلوغِ الكمالِ.. إذ لا بُدَّ للسَائِرِ مِنْ همَّةٍ
عاليةٍ تُرقِّيهِ
وعِلمٍ صَائِبٍ يَهدِيهِ.. وكُلَّما صَحتْ العزِيمةُ، وعظُمتْ الِهمَّةُ، ازدادَ تطلُبُ
الانسانِ لمعالي الأمورِ.. ورُبَّ هِمَّةٍ أحْيَت أُمَّةً..
وإنَّما كانَ تَفاوتُ النَّاسِ وتفَاضُلِهم بتفَاوتِ هِمَمِهِم وإرادَاتِهم..
وإنَّما يُقاسُ المرءُ بهمَتِهِ، فمن صَلُحَتْ همَّتهُ وصَدَقَ فيها
صَلُحَ لهُ ما وراءَ ذلكَ من الأعمَالِ..
تأمَّل: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.. أي مُختلفٌ حُسْنًا وقُبْحًا، بذْلًا وبُخلًا، هِمَّةً
وكَسلًا، إخلاصًا ورياءً..
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.. فمن اجتهدَ ورفعَ نفسهُ، علتْ وارتفعتْ
ومن قصَّرَ بها ووضَعَها، سَفُلَتْ واتَّضَعتْ.. قالَ الإمامُ ابن خِضْرَويه: القلُوبُ
جوَّالةٌ:
فإمَّا أن تَجولَ حَولَ العَرشِّ، وإمَّا أن تَجولَ حَولَ الحُشِّ..
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.. أي أنِّ لكلٍّ مِنكُم شَخصِيتَهُ المختلِفَةِ
ومواهِبَهُ الخاصَةِ، فارْضَ بما قَسمَ اللهُ، واستثمرْ ذلك فيما يُبلِغُكَ رِضاهُ..
قال تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
وفي الحديث الصحيحِ: "اعملوا فكُلٌّ مُيسرٌ لما خُلقَ لهُ"..