من رحمة الله تعالى أنه يواليهم بالنعم، وأعظم هذه النعم هي نعمة إنزال القرآن
وقد أنزله الله تعالي في ليلة مباركة هي ليلة القَدْر، عظيمة القدر؛ سواء أكان
القرآن كله أم قرآن السَّنة أم كان بدء نزوله فيها وتنزل فيها أيضًا أقدار العام
من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم ينزل القدر يومًا بيوم، بل ساعة بساعة
ولحظة بلحظة ، قدر الله عز وجل ، من خير وشر، وحياة وموت، وفرح وتَرَح،
فسبحانه كل يوم هو في شأن، يقبض ويبسُط، يعطي ويمنع، يحيي ويميت، كل
شيء عنده بمقدار، وكل صغير وكبير مقدور مسطور، لا يخرج شيء عن قدره
وتقديره ، وجاء فيها ذكر الدُّخَان، وهو حسب أقوال المفسرين أحد علامات
الساعة، وعند مجيئه لا يُقبل إيمان من أحد، ولا دعاء ولا توبة، وقيل: إنه
لما أبطأت قريش عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعا عليهم بسنين كسِنِيْ يوسف؛ فأصابهم من الجَهْدِ والجوع حتى أكلوا العظام
والمَيْتَةَ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء، فلا يرَون إلا الدخان.
وذُكر فيها الارتقاب مرتين:
أولهما: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ﴾
[الدخان: 10 - 13]، والسياق يشير إلى القول الثاني فهو الأنسب والأقرب
إلى القَبول.
وثانيهما: قوله تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ﴾ [الدخان: 59]، وهو يشير
إلى أن لهم ارتقابًا؛ فليكن لك ارتقاب، هم يرتقبون القضاء عليك وعلى دعوتك
فارتقب انتقام الله عز وجل منهم. وعلى كل حال، فإن أعداء الإسلام يرتقبون
تدميره والقضاء عليه وعلى أهله، فأين ارتقاب أهل الإسلام؟ هل هم مرتقبون
متأهِّبون؟