إن المرأةُ اذا طُلِّقت فطلاقُها لم ينقُص منها شيئًا، ولم يُقلِّل مِن أنوثتها، طلاقها
لم يُنهِ حياتها ولم يهدمها، بل ربما كان طلاقها حياةً لها وخيرًا مِن زواج كانت
فيه مدفونةً
إنما يهدمُها تلك النظراتُ الخبيثة التي تحمل في طيَّاتها الشماتة، وتلك الأفعالُ
الجارحة التي تتلقَّاها من القريب قبل الغريب، وكأن أولئك الذين ينبِذونَها ضمِنوا
لأنفسهم السعادةَ كأنهم ضمِنوا السلام من الابتلاءات
رفقًا بالمرأة المطلقة؛ فهي لم ترتكب إثمًا ولا عارًا، ولم تأتِ بتشريعٍ جديد، إنما
هو تشريع رب العالمين، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ
اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]؛ أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرَّقا، فليُحسِنا
ظنَّهما بالله فقد يُقيِّض للرجل امرأةً تقَرُّ بها عينُه وللمرأة مَن يُوسِّع عليها وقال
ابن كثير في تفسير الآية: وقد أخبر اللهُ تعالى أنهما إذا تفرَّقا فإن الله يُغنِيه عنها
ويُغنِيها عنه، بأن يُعوِّضه الله مَن هو خيرٌ له منها، ويُعوِّضها عنه بمن هو خيرٌ
لها منه.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾أي: واسعَ الفضل، عظيمَ المنِّ، حكيمًا في جميع أفعاله
وأقداره وشرعه؛ انتهى كلامه رحمه الله.
ومِن ذلك فالطلاقُ للمرأةِ ليس نهايةَ الدنيا ولا نهاية المطاف، وليس الطلاق كما
يدَّعي البعض أنه خرابٌ للبيوت، بل هو الصلاح والخير لكثيرٍ مِن المشكلات لا حل
لها إلا الطلاق، نعم يكون صعبًا لكن لنجتنب الأصعب، فكم مِن مشكلة كان الطلاق
حلَّها، لكن خوفًا مِن نظرات الناس أقيمت البيوت على ما فيها من فساد حتى أدى
ذلك إلى فساد أعظم.
نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة:
كثيرٌ مِن الناس إلا مَن رحِم ربي يظنُّ أن المرأة المطلَّقة تحمل الحسد والحقد
فتارة يبتعدون عنها وكأنها أصبحت وباءً، وآخرون ينتقصونَها وهنا نتساءل:
لماذا يهدم المجتمع تلك المرأة؟ لماذا يزيدونها جراحًا إلى جراحها؟
أن حقيقة الأمر يرجع إلى قلة الدين وتدنِّي الأخلاق؛والطلاق لا يقلل مِن قدر
وقيمة المرأة إطلاقًا، ولربما فيه الخير لها إن احتسبت وصبرت، فيعوضها الله
خيرًا، قال الله عز وجل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ
تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]
وإن كانتِ المرأةُ المطلَّقة في أعين الناس صغيرةً، فهي كبيرة عند الله بإيمانها
وتقواها وصبرها على ما أصابها.
والرسالة الأخيرة للاسر الكريمة : رفقًا بالمرأة المطلقة، رفقًا بمشاعرها، رفقًا
بتلك الآلام المدفونة بداخلها ولا يعلمها إلا الله، كونوا عونًا لها حتى تظلَّ صابرة
على ما كتبه الله عز وجل عليها، ولا تكونوا عبئًا عليها بسوء أخلاقكم.