في اللوحة تبدو الفتاة وهي ترتدي غطاء رأس ابيض يكشف عن بعض خصلات
شعرها الأحمر. الملامح بريئة تناسب عمرها الذي لم يكن يتجاوز السابعة عشرة.
والهدوء المرتسم على وجهها يخفي ألمها والمعاناة التي مرّت بها والعنف الذي
مورس ضدّها.
في صباح اليوم التالي كان على المحكومين أن يعبروا جسرا قديما تقع عند نهايته
الساحة المخصّصة للإعدام بينما كانت أجراس الكنائس تدقّ والطبول تقرع. كان
يوما حزينا في حياة أهالي روما، عدا البابا ووكلاءه.
بدأ الجلاد بقطع رأس لوكريتسيا، ثم تحوّل إلى الأخ الأكبر فضرب رأسه بالفأس ثم
قطّعت أطرافه كي تعرض على الناس، إنفاذا لتعليمات البابا. بياتريتشا التي كانت
تنتظر دورها كانت ترتدي ملابس بيضاء وكان وجهها شاحبا ويقال إنها كانت تبدو
مثل ملاك كانت تتوجّه بنظراتها إلى السماء وهي تتمتم: يا الله، انك تعلم أنني
أموت بريئة" قبل أن يعاجلها الجلاد بضربة بالفأس ثم يلتقط رأسها ويلوّح به
باتجاه الجماهير التي كانت تصرخ رعبا وهلعا.
الوحيد الذي نجا من هذه الحفلة الدموية كان الابن الأصغر برناردينو. فقد خُفّف
عنه الحكم، غير انه ألزم بأن يشهد قتل أقاربه واحدا واحدا ثم اُعيد إلى السجن
ليقضي فيه عدّة سنوات قبل أن ينفى إلى توسكاني التي ظلّ فيها إلى أن توفّي.
في ما بعد بيعت ممتلكات العائلة المصادرة إلى بعض أقارب البابا بينما تكفّل
الكرادلة بشراء الباقي بأثمان بخسة.
مأساة الفتاة وعائلتها أسهمت في انتشار هذه اللوحة على نطاق واسع وقد
استنسخت ملايين المرّات وظهرت في الكثير من الكتب والروايات. كما أثارت
مخيّلة الشاعر الانجليزي شيللي الذي رآها في احد قصور روما الأثرية فاستوقفته
طويلا وألهمته كتابة إحدى قصائده المشهورة.
بعد مرور سنوات على قتل بياتريتشا تحوّل قبرها إلى مزار يقصده الناس الذين
أصبحوا ينظرون إليها كقدّيسة، ما دفع الرهبان إلى إزالة الشاهد وتدمير النقوش
المحفورة على القبر لمحو كل اثر لصاحبته.
وبعد أشهر من المجزرة التي ارتكبت بحقّ عائلة تشينشي رسم غويدو ريني لوحة
يصوّر فيها احد الملائكة وهو يصارع الشيطان ويغلبه. وقد فهم الناس مغزى
اللوحة عندما استعار الفنان ملامح وجه بياتريتشا ليعطيها للملاك، بينما أعطى
الشيطان ملامح وجه البابا كليمنت الثامن.
بعد سنوات رسم الفنان اكيلي ليونارديني لوحة يصوّر فيها غويدو وهو يرسم
بياتريتشا في غرفتها بالسجن