يحكى أنه كان هناك رجل يقطع الحطب كل يوم فى الأحراش ، ثم يحمله
ليبيعه فى سوق المدينة ، وكان يعيش فى هذه الأحراش فأر وأسد وذات
يوم قال الأسد للفأر : انظر إليَّ كم أنا أقوى الحيوانات كافة ؟
فقال الفأر : ما قلته يا سيدى ليس صحيحاً ، فالقوة الكبرى تكمن فى العقل
والذكاء لذلك فإن ابن آدم هو أقوى من الحيوانات جميعاً فغضب الأسد وزمجر
قائلاً الأسد هذا ليس صحيحًا وأثناء ذلك كان الحطاب يقطع طريقه فى الأحراش
فلما رآه الفأر من بعيد ، قال للأسد : هذا هو الانسان ، فامضى إليه ، وأرنا
أنك أقوى منه أم لا
فركض الأسد تجاه الحطاب ، وصاح قائلاً : قف يا (ابن آدم) إنى أريد نزالك
فقال الحطاب : هذا يطيب لى ، إذن فلنتصارع ، ولكن قوتى ليست معى الآن
فانتظر حتى احضرها في الغد ولكن الأسد صاح : لا ، إنى لن أبغى انتظاراً
أنا أريد منازلتك اليوم ، والآن ففكر الحطاب قليلاً ثم قال : إذن انتظرني حتي
أذهب إلي قريتي وأحضر قوتي من هناك ثم أعود ، فأنا لا أستطيع المصارعة
بدون قوة
فقال الأسد : حسناً أذهب إلى قريتك وسوف أنتظرك أنا هنا تحت الشجرة
حتى تعود بقوتك
فقال الحطاب : إن كنت تريد الانتظار هنا فلابد أن أقيدك فى الشجرة ، وإلا
هربت منى قبل عودتى بقوتى ، لأن قوتي كبيرة وأنت ستخاف وستهرب
فقال الأسد : لن أهرب
قال الحطاب : إذن ، دعنى أقيدك
فوافق الأسد ..
وقام الحطاب بربطه إلي الشجرة بإحكام
فقال الأسد : والآن ، امض مسرعاً إلى قريتك وعد بقوتك الكبيرة ، حتى
نتصارع
فقال الحطاب : ما رأيك أن أريك قوتي الصغيرة أولاً ؟
ثم نزع سوطه الغليظ ، وهوى به بأقصى قوة على جسد الأسد المربوط ،
فزأر مولولاً وهو يصرخ ، وقد ترك السوط آثاراً على جسده
فقال الحطاب : هذه هى قوتى الصغيرة ، فما بالك بقوتي الكبيرة أيها الغر
ثم سخر من الأسد وانصرف ..
بعد أن ذهب الحطاب ، أتى الفأر ضاحكًا وقال للأسد المربوط : أيها الأسد
ما رأيك الآن فى قوتك وقوة ابن آدم ؟
فقال الأسد : فك أسرى أيها الفأر الصغير حتي ألحق بهذا الحطاب وأنتقم
منه فبدأ الفأر فى قرض الحبال ، حتي إذا ما فك وثاقه ، قفز الأسد جرياً
فى الحال إلى القرية ، وأتى بيت الحطاب ، فدخله ، وكان الحطاب هناك
فقال له : ها أنا ذا ، هلم الآن لنتصارع أيها الحطاب اللئيم
فقال الحطاب بثقة : إنه من دواعى سرورى أنك أتيت إلى قريتي ، لقد كنت
فى طريقى إليك إلي الأحراش عائدًا إليك ، أما الآن فنستطيع المصارعة هنا
ولكن أولاً فلتجلس لتناول شىء من الزاد الذى سأحضره لك وبعد ذلك نتصارع
فقال الأسد غاضبًا : لا أريد أن أكل ، قلت لك أريد أن نتصارع
فقال الحطاب مهدءًا إياه : أنت فى قريت ، وبين ابناء آدم ، ولابد أن تعمل
بالعرف السائد لدينا ، فلابد أن تأكل أولاً ، هذا واجب الضيافة
فقال الأسد : إن كان الأمر كذا فحسنا موافق
فخرج الحطاب ، وأغلق خلفه باب البيت حيث كان الأسد بالداخل ، ثم أتي
بماء مغلي ، وصعد إلى سطح البيت ، وقام بصب الماء المغلى على الأسد
فولول الأسد من الألم ، وقد تسلخ جلده بفعل الماء الساخن ثم صرخ ووثب
بكل قوته هاربًا إلى الأحراش وفى الغابة قابل الأسد الفأر
فقال له الفأر ساخرًا منه : أيها الأسد ، ماذا دهاك ؟ من شوهك هكذا ؟
فتفاقم غضب الأسد ، وصاح : أتسخر مني أيها الفأر الأحمق ؟!
ثم وثب على الفأر وقبض عليه بين أنيابه ، ولكن الفأر صاح : يا إلهي ..
هاهو (ابن آدم) قادم نحونا !
ففزع الأسد وأجفل خوفًا وترك الفأر وفر هاربًا