اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 33190 تاريخ التسجيل : 10/02/2014
موضوع: وعدتك ألا أحبك (نزار قباني) الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 - 6:40
وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ.. ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ وعدتُكِ أن لا أعودَ... وعُدْتْ... وأن لا أموتَ اشتياقاً ومُتّْ وعدتُ مراراً وقررتُ أن أستقيلَ مراراً ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ... وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي.. فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟ أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ.. أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي انتحرتْ وعدتُكِ.. أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ.. وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً.. وقُلتْ... وعدتُ بأَنْ لا ... وأَنْ لا.. وأَنْ لا ... وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ... وَعَدْتُكِ.. أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حين يمرُّ أمامي وحين تدفَّقَ كالليل فوق الرصيفِ.. صَرَخْتْ.. وعدتُكِ.. أن أتجاهَلَ عَيْنَيكِ ، مهما دعاني الحنينْ وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجوماً... شَهَقْتْ... وعدتُكِ.. أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكِ.. ولكنني – رغم أنفي – كتبتْ وعَدْتُكِ.. أن لا أكونَ بأيِ مكانٍ تكونينَ فيهِ.. وحين عرفتُ بأنكِ مدعوةٌ للعشاءِ.. ذهبتْ.. وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ.. كيفَ؟ وأينَ؟ وفي أيِّ يومٍ تُراني وَعَدْتْ؟ لقد كنتُ أكْذِبُ من شِدَّة الصِدْقِ، والحمدُ لله أني كَذَبْتْ.... وَعَدْتُ.. بكل بُرُودٍ.. وكُلِّ غَبَاءِ بإحراق كُلّ الجسور ورائي وقرّرتُ بالسِّرِ، قَتْلَ جميع النساءِ وأعلنتُ حربي عليكِ. وحينَ رفعتُ السلاحَ **** انْهَزَمتْ.. وحين رأيتُ يَدَيْكِ المُسالمْتينِ.. اختلجتْ.. وَعَدْتُ بأنْ لا .. وأنْ لا .. وأنْ لا .. وكانت جميعُ وعودي دُخَاناً ، وبعثرتُهُ في الهواءِ. وَغَدْتُكِ.. أن لا أُتَلْفِنَ ليلاً إليكِ وأنْ لا أفكّرَ فيكِ، إذا تمرضينْ وأنْ لا أخافَ عليكْ وأن لا أقدَّمَ ورداً... وَتَلْفَنْتُ ليلاً.. على الرغم منّي.. وأرسلتُ ورداً.. على الرغم منّي.. وعدتُ بأنْ لا.. وأنْ لا .. وأنْ لا.. وحين اكتشفتُ غبائي ضحكتْ... وَعَدْتُ... بذبحِكِ خمسينَ مَرَّهْ.. وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ.. فلا تأخذيني على مَحْمَلِ الجَدِّ.. مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ.. ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ.. لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ... وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً.. وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ.. ارتبكْتْ.. وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ، أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَهْ فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَهْ.. وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ، أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَهْ.. وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ.. أنتِ المزاميرُ.. أنتِ المُضِيئةُ.. وَعَدْتُ.. بإلغاء عينيْكِ من دفتر الذكرياتِ ولم أكُ أعلمُ أنّي سأُلغي حياتي ولم أكُ أعلمُ أنِك.. - رغمَ الخلافِ الصغيرِ – أنا.. وأنّي أنتْ.. وَعَدْتُكِ أن لا أُحبّكِ... - يا للحماقةِ - ماذا بنفسي فعلتْ؟ لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ، والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ... وَعَدْتُكِ.. أنْ لا أكونَ هنا بعد خمس دقائقْ.. ولكنْ.. إلى أين أذهبُ؟ إنَّ الشوارعَ مغسولةٌ بالمَطَرْ.. إلى أينَ أدخُلُ؟ إن مقاهي المدينة مسكونةٌ بالضَجَرْ.. إلى أينَ أُبْحِرُ وحدي؟ وأنتِ البحارُ.. وأنتِ القلوعُ.. وأنتِ السَفَرْ.. فهل ممكنٌ.. أن أظلَّ لعشر دقائقَ أخرى لحين انقطاع المَطَرْ؟ أكيدٌ بأنّي سأرحلُ بعد رحيل الغُيُومِ وبعد هدوء الرياحْ.. وإلا.. سأنزلُ ضيفاً عليكِ إلى أن يجيءَ الصباحْ.... وعدتُكِ.. أن لا أحبَّكِ، مثلَ المجانين، في المرَّة الثانيَهْ وأن لا أُهاجمَ مثلَ العصافيرِ.. أشجارَ تُفّاحكِ العاليَهْ.. وأن لا أُمَشّطَ شَعْرَكِ – حين تنامينَ –