أدرك الخبراء أن مسؤولية رعاية الطفل لا يمكن أن يتولاها شخص واحد بمفرده
فاهتموا بإبراز دور الآباء في التربية السليمة للطفل، وفي ضوء ما هو معروف
من أن العلاقة بين الأب والأبناء تشكل أحد أكثر العوامل التي تُنبئ بشكل المستقبل
الذي سيعيشه الأبناء، بدءا من طبيعة أدائهم في مدرستهم الابتدائية ثم في الجامعة،
وبعد ذلك خلال مسيرتهم المهنية وحياتهم الأسرية، فإن العلاقة الوطيدة والقوية بين
الأب وأبنائه وحضوره بشكل دائم في حياتهم اليومية يجعلان منهم أشخاصا سعداء
أو تعساء.
وسعى علماء النفس – بشكل متزايد – خلال السنوات القليلة الماضية، إلى دراسة
الآثار السيئة المترتبة على غياب الأب عن حياة الأبناء والفجوة الكبيرة التي يتركها
انعدام الإحساس بدعم الأب وحنانه وحبه، وقد يلقي ذلك بظلاله على صحتهم
الجسدية وسلوكهم الاجتماعي العام، فيكونون أقل استقلالية وأضعف قدرة على
ضبط سلوكهم الفردي بالإضافة إلى مشاكل نفسية لدى بعضهم تتميز بعدم النضج
والعصبية والانحراف وتزعزع ثقتهم بغيرهم من الأطفال وتجعلهم غير قادرين على
إقامة علاقات صداقة مع أقرانهم.
وتشير الدراسات إلى أن الدور التربوي الذي يقدمه الأب في هذا الصدد، يؤثر على
بناء شخصية ابنه، كما يمكن أن يؤثر على مستقبله الدراسي والوظيفي وعلاقاته
الاجتماعية.
ولسنوات طويلة ألقت معظم المجتمعات بالمسؤولية على الأم في تربية الأبناء
ودعمهم نفسيا وعاطفيا، أما الأب فيقتصر دوره على دعم الأسرة اقتصاديا،
وبالتالي يكرس معظم وقته للعمل والالتزام المطلق بهذا الدور الذي يرمز إلى
الرجولة والسلطة، بينما تهتم الأم بكل ما يتعلق بتوفير الإحاطة والحنان.
لكن النموذج التقليدي للأبوة ليس قدرا لا مهرب منه، فقد اكتسب الكثير من الآباء
المنفتحين المزيد من الوعي بشأن دورهم في رعاية أطفالهم والاهتمام بهم، واكتشف
الكثيرون منهم أنه ما من سبب يمنعهم من أن يصبحوا أكثر حضورا في حياة أبنائهم
مثل الأمهات.
ويؤكد خبراء علم النفس أن الرابطة القوية بين الآباء والأبناء تنشأ من الإحاطة
النفسية والدعم المعنوي للأطفال منذ مراحل أعمارهم المبكرة ويكون لذلك أكبر الأثر
في جميع مجالات حياتهم، ويعزز من قدراتهم على التواصل مع الآخرين، وفي حل
المشكلات أو تجاوز المحن والصعوبات.