هي عصمة الدين خاتون ابنة الأمير المشهور معين الدين أنور حاكم دمشق
بين عامي 1140 و1149م وزوجة الملك العادل نور الدين الزنكي أمير
حلب والقائد المسلم المشهور والذي تأسست على يديه ويدي والده عماد الدين
الزنكي دولة الزنكيين الكبيرة.
وعند وفاة والدها أنور عام 1149م تولّى زوجها نور الدين مقاليد حكم كلٍ
من دمشق وحلب، موحّدًا بذلك صفوف المسلمين في بلاد الشام. وبعد وفاة
زوجها عام 1174م تسلّمت أمور الإدارة بشكلٍ غير مباشرٍ كإحدى الأميرات
الحاكمات في المنطقة.
نشأت عصمة الدين خاتون في بيتٍ مهمومٍ ومُفعمٍ بقضايا الأمة السياسية
والعكسرية، فوالدها معين الدين أنور كان حاكمًا قائدًا ومدبّرًا للشؤوون
السياسية والعسكرية في منطقة دمشق، هذه البيئة السياسية التي ضجّت
بالأحداث والخطط والمُسايسات ساهمت في تكوين تلك الحنكة السياسية
والعسكرية التي اشتُهرت بها خاتون.
فعند وفاة زوجها القائد نور الدين عام 1174م، استغلّ نوري الأول حاكم
بيت المقدس نيابةً عن الصليبيين الارتباك الذي أصاب صفوف المسلمين في
دمشق على وقع الموت المُفاجئ لقائدهم وتحرّك بجيوشه إلى بانياس في
نفس العام، وحاصرها لمدة أسبوعين كاملين، أظهرت فيها المدينة صمودًا
عجيبًا، حتى جاءت المُبادرة من أميرة دمشق خاتون نفسها، والتي عرضت
على نوري الهدنة، إلا أن نوري رفضها حتى تنازلت خاتون عن مبلغٍ كبيرٍ
تدفعه خزينة المسلمين بالإضافة إلى إطلاق صراح الأسرى النصارى في
سجون المسلمين. ووافق نوري على ذلك وكانت الهُدنة وتراجع نوري بجيشه
عن بانياس وعاد أدراجه إلى بيت المقدس.
ومع تمكّن صلاح الدين الأيوبي، القائد العسكري الأول لنور الدين الزنكي،
من إرساء دعائم الاستقرار الاقتصادي والعسكري في مصر، اتجه مباشرةً
إلى بلاد الشام لحل النزاعات والصراعات التي خلّفتها وفاة قائده نور الدين.
وكانت أولى خطواته لنيل الشرعية والدعم المعنوي كخليفةٍ لنور الدين زواجه
من عصمة الدين خاتون والتي وافقت مباشرةً على هذا الزواج في سبيل توحيد
الجبهتين الشامية والمصرية وفض النزاعات القائمة في سدة الحكم.
توفيت سنة 581هـ وذلك قبل تحرير بيت المقدس على يد زوجها صلاح
الدين الأيوبي بسنتين، إلا أنها مع ذلك ساهمت في حملة التحرير تلك بأقصى
طاقتها وخصّصت في سبيل ذلك الكثير من الجهد والأموال. دُفنت في التربة
التي قامت بتأسيسها في قاسيون عند نهر يزيد.