من الخطأ ابتداء اختزال مفهوم الحب في العلاقة بين الجنسين، فالحب في
الإسلام مفهوم متعدد الأبعاد. والإسلام يقوم بمعناه العام مبنيّ على الحبّ:
حبّ الله والرسول (صلى الله عليه وسلّم) وحبّ هذا الدين والقرآن الكريم
وحبّ الأنبياء جميعا والملائكة. والحبّ في الله من أعمدة الإيمان الراسخة
التي لا يختلف عليها اثنان، وقد ورد ذكر الحبّ والمودّة مرارا و تكرارا في
القرآن الكريم كما في السنّة النبويّة، فالقرآن أورد كلمة الحبّ أربعا وثمانين
مرّة : "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه…" (البقرة/165).. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين" (المائدة/54)، "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/31) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ
لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً" (مريم/96). وفي السنّة النبويّة العديد من معاني
الحب وأصوله فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عليه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن المتحابين في الله تعالى لترى غرفهم في الجنة
كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء؟ فيقال:هؤلاء المتحابون
في الله عز وجل"
وقد حدّد الإسلام شروط الحبّ بأن يكون ضمن رضا الله وتحقّق أوامره،
فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن يسير هذا الحبّ في اتجاهه
الطبيعي من غير غلوّ ومبالغة. ويوضح أحد هذه الأبعاد الحديث النبوي
"من أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان
" (أبو داود:4681).
الحب في الإسلام لم يكن مجرّد كلمة أو نظريّة من غير تطبيق، فالحبّ بين
المسلمين يحمل معاني وممارسات سامية لربّما لا يوجد لها مثيل في كافة
شرائع وأعراف الدنيا.
والحبّ في الإسلام هو حالة واقعيّة ممثّلة بصدق وشفافيّة مع الآخر ومفردات
الحبّ الإسلامي هي الدعاء للآخر والنصح والتوجيه له إذا ما حارت به السبل
كما تفقّده إذا ما غاب لسبب ما والتضحية والإيثار لأجله بعيدا عن المصالح
الدنيوية ولعلّ أعظم مثال في هذا الصدد ما غرسه الرسولصلى الله عليه وسلّم
من مبادئ وأسس حب وإخاء ما بين المهاجرين والأنصار ويمكن اقتباس شيء
من معاني هذا الحب من الحديث القدسي وجبت محبتي للذين يتحابون
ويتجالسون ويتزاورون
أمّا ما كان على صعيد حبّه لزوجاته، فالرسول صلى الله عليه وسلّم كان مثالا
للعاطفيّة والرومنسيّة من دون منازع. فبينما كانت تتخافت الأصوات عند ذكر
الصحابة أسماء نسائهم، نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع.
فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم :"أي الناس أحب
إليك. قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها". وقد جعل معيار الخير في
الرجل بمقدار حبّه ورفقه بأهل بيته فقال صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم
لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
على المسلم أن يضع في اعتباره بداية قول الرسول(صلّى الله عليه وسلّم)
"الأرواح جنود مجنّدة، ما تعارَف منها ائتَلفَ وما تناكر منها اختلف".
إذاً فمشاعر الارتياح والميل نحو شخص ما أو حتى النفور منه هي مشاعر
تلقائية لا تعرف عند نشوئها التخطيط المسبق إلاّ أنّها لابدّ وأن تسير ضمن
نسق وإطار محدّد رسمته الشريعة كي لا تكون مشاعر الحب للآخرين معول
هدم وتدمير لحياة الفرد
والحب قد يُولَد سريعا من نظرة عابرة بل قد يولد بسماع الأذن دون مشاهدة
وهنا قد يزول وقد يبقَى ويشتد إن تَكرَّر أو طال السبب المولِّد له من رؤية
للشخص المحبوب أو الحديث معه أو تذكّره والتفكير فيه فبمعرفة السبب الموّلد
له نكون قد وضعنا أيدينا على حكم الحبّ، فإذا كان من ذلك الذي قد يصيب
الإنسان من النظرة الأولى وبالمصادفة فيكون ضمن الحبّ الاضطراري والذي
لم تتدخّل النيّة البشرية في حدوثه أو تغذيته وهذا بفتاوى العديد من الأئمّة
يدخل ضمن المصادفة ولا يحكم عليه بحلّ ولا حرمة. أمّا النوع الثاني وهو
ذلك الذي يغذّيه مسبّبّه من رؤية وحديث مع المحبوب على هيئة لقاءات
ونزهات وأحاديث هاتفية وخلوة أو رسائل وتبادل صور ومتعلّقات فذلك من
النوع المحرّم قطعاً والذي قد يقود الإنسان نحو الهاوية إذا لم يتراجع ويحكّم
شرع الله في كبح جماح عاطفته. فالحبّ الذي لا يتعدّى حدود الإعجاب والذي
لم يصاحبه محرّمات فصاحبه يدخل ضمن نطاق المعذور. لكن إذا ما بدأت
المحرّمات تتولّد بسببه فحكمه بدون جدال عند الفقهاء هو "الحرمة".
" ملأ الله قلوبنا بحب الله ورسوله وجعلنا متحابين متوادين في طاعته ورضاه
عز وجل"