دار كدح وعناء، ووصب وشقاء:
إنْ أسعدَتْ يومًا، أشْقَت أيامًا، وإن أضْحَكَت يومًا، أبْكَت أيَّامًا.
ليس لها دوام؛ فهي فانية، وأحوالها لا تدوم؛ فهي مُتقلِّبة.
وهذه الظروف وهذه الأحوال تحتاج لنفسٍ راضية راضية عن الله
وراضية بقضاء الله.
إن كانت النعمة مُقبلة، كان الشكر لها لازمًا وإنْ جاءَت النِّقمة فجأة
كان الصبرلها حلاًّ
والصبر خير: مُرٌّ في أوَّله، حُلو في آخره.
يوفِّي اللهُ الصابر أجره بغير حساب ولك أن تتخيَّل ما وراء (بغير حساب)
ومِمَّن ؟ مِن الله العزيز الحكيم.
- الرضا: درجة تعلو الصبر، فهي أعلى منه درجةً، وأسمى مَقامًا.
سلام رُوحي مع كل قضاء، حُب رُوحي لكلِّ ما يُحبه الله، حتى أقدار
الدنيا ومصائبُها أحزانها وآلامها، يراها خيرًا له، وكيف لا تكون خيرًا
وهي من الله
- كان بلال رضي الله عنه يُعاني سَكرات الموت وهو يقول:"وافرحتاه
غدًا ألْقَى الأحبَّة، محمدًا وصَحْبه".
هي صورة من صُوَر الرضا ومن كان الرضا حالَه كان السرور مُرافقًا
له ، والانشراح يملأ قلبَه.
لا حُزْن ولا ضَجَر، ولا شَكوى ولا سخط، تسليم تامٌّ، ورضًا تامٌّ، وسرور
تامٌّ.
- تَمرُّ برجل فاقدٍ لبصره تتعجَّب من ابتسامة تملأ وجْهَه وعبارات الشُّكر
والرضا يَلهج بها لسانُه، لا يشكو لأحدٍ ولا يَضْجَر من حاله، فتتعجَّب: كم
منَّا مِن مُبصرٍ يشكو من الدنيا وهمومها وهو سليم يُبصر
- تزور مريضًا لازَمَ السَّرير لَم يَلزمه يومًا أو شهرًا بل سنوات لا يتحرَّك
منه شيء سوى رأْسٍ يحرِّكه يمنة ويسرة، ولسانٍ ذاكرٍ شاكر، وتَشعر
بانشراح صدْره وتقَبُّله لمرضِه فتتعجَّب : كم منَّا معافًى يتحرَّك ويذهب
ويغدو ويتنقَّل في كلِّ مكان، ومع ذلك يَمقُت حاله، ويشكو ظروفه
- عامل نظافة بسيط، تحت أشِعَّة الشمس الحارقة يُمارس عمله برضًا تامٍّ
ورَجل في سيَّارته المُكَيَّفة المُريحة، تَجده يشكو من الحرِّ وأشعة الشمس،
فسبحان الله
- موظف بسيط، يأخذ راتبًا قليلاً، ولكنَّه مُنظَّم في نَفَقاته ويَستهلك حسب
حاجته شاكرٌ لله ويتصدَّق من ماله يَبتغي وجْه الله وآخَرُ راتبُه أعلى ومَنصبه
أكبر، يشكو من النفقات واستهلاك الأبناء، ودائمًا الشكوى معه أينما ذهَب.
إنَّ الرِّضا بما قدَّر الله أمرٌ ليس بالسهل، فنحن نكرِّر يوميًّا:
"رَضِيت بالله ربًّا"، وهي تعني رضانا التامَّ عن الله - عزَّ وجلَّ - رضًا
بكلِّ ما يُقَدِّره لنا مِن رفْعٍ وخَفضٍ، غنًى وفقرٍ، حُزنٍ وفرَحٍ.
"وبالإسلام دينًا": بالاستسلام لهذا الدين العظيم، نقوم بالواجبات، ونَمتنع
عن المحرَّمات والمنهيَّات؛ طلبًا لِمَرضاة ربِّ الأرض والسموات.
"وبمحمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبيًّا": يكون لنا مثلاً أعلى وأُسوة
حسنة، نقتدي به ونَتَّبعه في كلِّ أمور حياتنا ، ونَسعد بذلك ، ونُحبه حبًّا
يفوق حبَّنا لأنفسنا.