ليست السعادة محطة بحيث إذا وصلت أنت اليها ستكون فيها سعيداً الى
الأبد بل السعادة رحلة وهذا يعني أنه ليس هنالك وقت محدد أو عمر محدد
أو مكان محدد, أو حتى سبب محدد للسعادة..
فلا تنتظرها في اهداف محددة,بل أرحل معها من مكان لمكان, ومن زمان
لآخر.. فأنت يمكن أن تكون سعيداً في كل الاوقات , وفي كل الحالات,وفي
كل الأماكن..
إن كل شيء مهما كان (صغيراً) إذا منحك الشعور بالسعادة فهو سبب (كبير)
لها.. كذلك الأمر بالنسبة الى المكان, فلرب غرفة صغيرة في بيت ريفي,يمنحك
من السعادة أكثر مما يمنحك إياها قصر منيف على ضفاف البحر ..
علم من الاطفال,فهم يسعدون بأمور صغيرة نعتبرها نحن الكبار (تافهة)
ولكنهم يعتبرونها كبيرة بمقدار ماتمنحهم من الشعور بالسعادة .
ترحل مع السعادة,فكما يقول أحد الحكماء:"إن الطريق هو دائماً خير من
المنزل"وهكذا الحركة خارج البيت خير من الجلوس فيه.
لقد قال أحد المسئولين الكبار في احدى الدول :
" لقد اكتشفت بعد وصولي الى السلطة,أن البقاء في مرحلة (المقدمات)
كان خيراً لي من الوصول الى (النتائج).
إنك في مرحلة (المقدمات) تعيش الشوق,والرغبة,وتتطلع الى البعيد,
وهكذا ترحل مع السعادة,اما في مرحلة (النتائج) فأنت تفقد كل ذلك
لأنك تصل الى المحطة, فالشوق يتبدد, والرغبة تنتهي,والتطلع يخبو.
لقد كنا في ايام الطفولة لانمل السعي والحركة لتحقيق أهدافنا, وكنا نعتقد
أننا اذا وصلنا الى غاياتنا فسوف نجد كل الارتياح, ولكننا كنا نصاب ببعض
الخيبة بعد ذلك, فكنا فوراً نبحث عن أهداف أخرى,ونبحث عن تحقيقها,
ونعود من جديد الى الحركة والنشاط .
كنا نفقز من هدف الى آخر,
والسعادة التي كنا نشعر بها كانت في الرحلة للوصول الى الأهداف, وليس
في بلوغها,فكان كل هدف نصل اليه يشبه منزلاً صغيراًنرتاح فيه بشكل
مؤقت لكي نواصل الرحلة منه الى غيره .
فالمرء يجد كل المتعة أثناء الرحلة, لأنها تمثل الإبداع والحركة,والشوق..
وفرح الرسام باللوحات التي يرسمها ينتهي مع انتهاء الرسم,كذلك الأمر
بالنسبة الى المؤلف , والمخترع,والعالم .
لقد كان احد العلماءالمسلمين كلما سهر الليل لحل مسألة من المسائل يصرخ
في نهايتها :
" أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة " .
إن السعادة حسب تعبير أحدهم مثل (الكرة) نجري خلفها حين تتدحرج ,
ونركلها بأقدامنا حيما تقف,فلا تكتمل السعادة لإنسان إلا إذا توافرت له
ثلاثة أشياء :
شيء يعمله,وشيء يحبه,وشيء يطمح اليه ومع فقدانه لأي واحد منها
يفقد السعادة .
إن السعادة تكمن فيما تبحث عنه , وليس فيما تحصل عليه,فهي تلك
اللذة التي تريد الحصول عليها, أما التي نلتها فقد انتهى أمرها .
فالسعادة هي من الشوق نحو تحقيق ما تصبو اليه النفس,
أكثر مماهي في الحصول عليه.
يقول أحد الشعراء :
وما السعادة في الدنيا سوى امل
يرجى فإن صار جسما مله البشر
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى إذا جاءه يبطى ويعتكر
لم يسعد الناس الا في تشوقهم
الى المنبع فإن صاروا به فتروا