حكمت ملكة تدعى رانافالونا الأولى، مملكة مدغشقر على مدار 33 سنة
ما بين سنتي 1828 و1861،بقبضة من حديد ومارست سياسة تعسفية،
حتى صنفت ضمن قائمة أكثر الملوك دموية على مر تاريخ القارة الإفريقية.
رانافالونا الأولى ولدت سنة 1788 لعائلة فقيرة تقطن بالقرب من منطقة
أنتاناناريفو (Antananarivo) بمدغشقر
في أثناء فترة طفولة رانافالونا تمكن والدها من إنقاذ حياة الملك عن طريق
تحذيره من محاولة اغتيال تحاك ضده وبفضل ذلك نجا الملك من الموت
ليقدم عقب ذلك على مكافأة هذه العائلة الفقيرة عن طريق تبني ابنتهم
رانافالونا وضمها للعائلة الملكية
وتمكنت رانافالونا من شق طريقها نحو السلطة، حيث أقدمت على الزواج
من أخيها غير الشقيق ووريث العرش راداما الأول(Radama I)
لتصبح بناء على ذلك واحدة من زوجاته الاثني عشر.
لم تتردد رانافالونا الأولى في الاستحواذ على حكم مدغشقرعقب نجاحها
في قتل كل من نازعها على العرش من العائلة الملكية، عقب وفاة راداما
الأول سنة 1828، لتبدأ على إثر ذلك فترة الرعب والتي استمرت لثلاثة
وثلاثين سنة.
واعتمدت رانافالونا الأولى طريقة تقليدية وبدائية عرفت بتانجينا
(Tangena) للتأكد من براءة الأهالي أثناء المحاكمات، حيث اقتضت
هذه الطريقة أن يبتلع المتهم جلود ثلاث دجاجات وأن يتناول بعد ذلك
كمية من ثمرات شجرة تانجينا السامة،وعلى إثر ذلك يجبر المتهم على
التقيؤ وفي حال عثر على الجلود الثلاثة سليمة ثبتت براءته أما إذا كانت
ناقصة فيتم إعدامه على الفور.
وطبقت رانافالونا الأولى هذه الطريقة الغريبة للتأكد من وفاء الناس
وعدم معارضتهم لسياستها، وبناء على ذلك تسببت هذه العملية الغريبة
المسماة تانجينا في مقتل ما يعادل 2 بالمئة من سكان مدغشقر.
واعتمدت رانافالونا طرق قاسية في تنفيذ أحكام الإعدام،وتراوحت أساسا
بين تقطيع الأطراف وشطر أجساد المتهمين إلى نصفين والغلي في الماء
الساخن.
واتجهت رانافالونا الأولى إلى شن حملات عسكرية دامية على المناطق
النائية من البلاد لإخضاعها، كما حاربت انتشار المسيحية واتخذت إجراءات
قاسية ضد الحركة المسيحية الملاغاشية، وذلك طيلة الـ33 سنة التي أدارت
فيها شؤون مدغشقر.
وخلال إحدى المرات أمرت ملكة مدغشقر بتعليق عدد من المسيحيين إلى
أعلى جرف قبل أن تتخذ قرارا بقذفهم نحو الصخور المدببة أسفله عقب
رفضهم التخلي عن ديانتهم.
واستطاعت رانافالونا الأولى، صد العديد من المحاولات الفرنسية للتدخل
بالبلاد، كما اتجهت لزيادة عدد جنودها وتحسين البنية التحتية لمدغشقر
عن طريق استعباد نسبة كبيرة من الأهالي وإجبارهم على العمل في
ظروف قاسية على المشاريع العامة.
وسقط عدد هائل من السكان ما بين عامي 1828 و1861،حيث
تعرضت البلاد للعديد من الأوبئة والمجاعات بسبب سوء الإدارة والتصرف.
وفارقت رانافالونا الأولى الحياة يوم السادس عشر من شهر أغسطس سنة
1861 عن عمر يناهز 83 سنة بعد أن قضت 33 سنة في سدة الحكم
تسببت خلالها في مقتل الملايين، فعلى حسب بعض الإحصائيات تراجع عدد
سكان مدغشقر إلى النصف خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر،حيث قدّر عدد
سكان البلاد بنحو 5 ملايين نسمة سنة 1833 ليتراجع إلى حدود 2,5
مليون نسمة فقط بحلول عام 1839.