هل هذه حقيقة مطلقة يستحيل الحياد عنها إلا في حالات استثنائية؟ سؤال أحيانا
يطرح نفسه حين يتعلق الأمر بالعلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا الشرقية، والتي
وفي كثير من الأوقات تحتكم إلى مسلمات وموروثات شعبية ربما نجحت في ترجمة
نفسها مع البعض، وربما سعي البعض إلى تطويع تفاصيل خاصة لتتطابق مع تلك
المقولات.
والولد هنا ليس الذكر على طول التفسير، فللإناث نصيب وافر من أحكام جاهزة
ومسلمة تحاصر البنت في قوالب لا تخرج عن تشبيهها بأمها تارة وبعمتها تارة
أخرى
للأسف أن مثل تلك الأمثال والعبارات المتوارثة حين يلجأ الناس إلى استخدامها
فإن الظروف المحيطة تنحصر غالبا بالتجارب السلبية المزعجة والحزينة،
وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالفتيات والنساء في مجتمعنا غير العادل في
إطلاق أحكامه، وتنفيذ قضائه على المرأة بالعموم. في حين أن أمثالا كالولد
سر أبيه على سبيل الذكر، يستخدم في العادة لمواقف الفخر والاعتزاز
وبعيدا عن المجتمع الفكري والسلوكي الذي يلجأ للاختصار بالتوصيفات المعلبة،
يقفز السؤال البيولوجي والسيكولوجي حول مدى ارتباط الولد بأبيه و البنت
بأمها، حتى ليصبحا نسختين طبق الأصل، في يوم ما أو ضمن مواقف ما أو
تحت ظروف ما.
قصة المقال مرتبطة بقضية شابين أحبا بعضهما، ورغبا في الارتباط، وحيث
أن الأحوال المادية والنفسية تشجع على الزواج، فقد حاول الشاب أن يقوم
بالخطوة الأولى ولكنه جوبه بالرفض بدل المرة عشرة
المسكين ومع أنه يعمل مهندسا في إحدى الشركات الأجنبية في الخليج، وهو
أصلا خريج جامعات أوروبية لمرحلتي البكالوريوس والماجستير، إنما وبسبب
صيت أبيه وأعمامه غير المشرف، لشهرة الأسرة بأعمال النصب والاحتيال
وتكوين ثروات طائلة على حساب استغفال الناس، بل وتنفيذهم لأحكام قضائية
متفاوتة، كان لابد من أهل الفتاة، حسب رأيهم، رفضه مرارا و تكرارا، حتى لو
قدم المسكين عشرات الشهادات السلوكية والعلمية والعملية التي تثبت لهم أنه
مختلف عن أهله، الذين قرر أن ينفصل عنهم منذ وقت بعيد.
هل حقا يرث الولد عن أبيه صفاته كلها السلوكية والأخلاقية والعقائدية، حتى لو
أظهر عكس ذلك في سنوات عمره الأولى، بحيث لا يستطيع أن يقاوم الشيفرة
الجينية التي حتما سوف تلاحق تمرده على التشابه فترة طويلة من عمره فيستسلم
أخيرا و يصير نسخة طبق الأصل عن والده في يوم ما، موقف ما، ظرف ما ؟
قصص طويلة و كثيرة أثبتت لنا أن ذلك قد حصل فعلا، مع عائلات و أنساب
وأصحاب، يعيشون بالضرورة في محيطنا وحولنا، ممن لم يخوضوا وبالتالي
لم يتأثروا بثقافات ومصاهرات غربية، كانت لها تأثيراتها الأقوى ممارسة،
واستمراريتها الأطول نفسا.
من هنا، فإن كثيرا منا اليوم وحين يسأل عن شخص أو يقابل أحدهم فإن أول ما
يخطر بباله هو معرفة من أبوه وأهله، باعتبار أن العلم بأصله وفصله هو المفتاح
الأول في التعامل مع الإنسان المقابل.
والأسوأ صراحة، هو أن نطلق أحكاما استباقية بسنوات، على هذا الإنسان، فقط
لأننا نعرف من أبوه! وهكذا يكون مع الفتيات اللواتي دفعن وما يزلن أثمانا من
أعمارهن وكرامتهن، بسبب ربط مستقبلهن المرهون باسم واحدة من أسرتها،
وعلى الأغلب والدتها، إن كانت مدانة من قبل المجتمع بسلوك ما، حتى لو أن
الإدانة تلك محض تبل وافتراء.
الولد ممكن أن يكون سر نفسه، لو صدقنا نحن بذلك ومنحناه الفرصة ساعدناه.
لكننا وكالعادة لا نحاول أن نبحث عن الحلول، بقدر ما ننأى بأنفسنا عن "وجع
الراس"، و لو سبب هذا ظلما وجورا على آخرين لا ذنب لهم.