{ وجعلنا نومكم سباتا . و جعلنا الليل لباسا . و جعلنا النهار معاشا } النبأ .
وكان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتا يدركهم فيقطعهم عن الإدراك
والنشاط ، و يجعلهم في حالة لا هي موت و لا هي حياة ..
تتكفل بإراحة أجسادهم و أعصابهم و تعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة
الصحو و الإجهاد و الانشغال بأمور الحياة ..
وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لا يدرك الإنسان كنهها ، و لا نصيب لإرادته فيها
ولا يمكن أن يعرف كيف تتم في كيانه ..
وهي سر من أسرار تكوين الحي لا يعلمه إلا من خلق هذا الحي وأودعه
ذلك السر ، وجعل حياته متوقفة عليه .
فما من حي يطيق أن يظل من غير نوم إلا فترة محدودة .
فإذا أجبر إجبارا بوسائل خارجة عن ذاته كي يظل مستيقظا فإنه يهلك قطعا .
وفي النوم أسرار غير تلبية حاجة الجسد و الأعصاب ..
إنه هدنة الروح من صراع الحياة العنيف .
هدنة تلم بالفرد فيلقي سلاحه – طائعا أو غير طائع – و يستسلم لفترة
من السلام الآمن ، السلام الذي يحتاجه الفرد حاجته إلى الطعام و الشراب .
ويقع ما يشبه المعجزة في بعض الحالات حيث يلم النعاس بالأجفان
والروح مثقل ، و الأعصاب مكدودة ، و النفس منزعجة ، والقلب مروع .
و كأنما هذا النعاس – و أحيانا لا يزيد على لحظات – انقلاب تام في كيان
هذا الفرد .
وتجديد كامل لا لقواه بل له هو ذاته ، و كأنما هو كائن حين يصحو جديد ..
ولقد وقعت هذه المعجزة للمسلمين المجهودين في غزوة بدر وفي غزوة أحد
و امتن الله عليهم بها و هو يقول :
{ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه }
{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم }
فهذا السبات:أي الانقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات
تكوين الحي ، وسر من أسرار القدرة الخالقة ، ونعمة من نعم الله لا يملك
إعطاءها إلا إياه .
وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته ،
وإلى اليد التي أودعتها كيانه ، ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر .