لماذا يقدم الناس باقات الزهور إلى مرضاهم إن الأزهار بكل ما أوتيت من ألوان
زاهية أو رائحة مفرحة للقلب تمتع من دون أن تعرف بمفعول علاجي. إن المعالجين
أو ممارسي الطب التكميلي يعدون أن قوة الزهور تتجاوز مجرد تنبيه الأحاسيس
والمشاعر، فبالنسبة لأي شخص يمارس العلاج بالأزهار أو بخلاصاتها، الذي يعد
على مستوى العالم نظاماً علاجياً تُستخدم فيه أدوات الطبيعة الرقيقة، وهي الزهور
وذلك لعلاج المرض أو الوقاية منه.
إن العلاج بالأزهار ليس وليد اليوم فالمجتمعات القديمة بدءاً من الفراعنة وروما
القديمة إلى كثير من القبائل الأميركية حتى العرب قد استخدمت الأزهار وما زالت
تستخدمها على نطاق واسع لأغراض طبية ودوائية، في جنوب المملكة العربية
السعودية تلاقي الأزهار والنباتات العطرية سوقاً كبيراً للاتجار فيها، وتكون هناك
أيام مخصصة في الأسبوع لبيع أنواع الأزهار والنباتات العطرية التي لها عشاقها
ولو لاحظنا قبائل تهامة بالذات لوجدنا أنهم يتعاملون مع هذه النباتات العطرية
بشكل يومي، ويعدونها من التراث، فترى كل فرد يزين بها رأسه. فالكبار في السن
سواء من الرجال والسيدات ممن تعدوا أو تجاوزوا التسعين عاماً يضعون باقات
النباتات على رؤوسهم من أجل شم رائحتها النفاذة:
ومن أجل قتل القمل إن وجد بين شعر الرأس ولطرد كثير من البكتيريا والفيروسات
ولا يقتصر ذلك على المسنين، حيث ترى الطفل بدءاً من الثانية من عمره يطوق
ذووه رقبته بعقد من النباتات العطرية أو يجففونها ثم يحشونها قطعة قماش خيطت
على شكل أنبوب يحشى به مسحوق هذه النباتات العطرية من أجل أن يتمتع الطفل
برائحة منعشة، وليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود يكمن في قتل البكتيريا أو
الفيروسات التي يمكن أن تنمو على لعاب الطفل عندما يسيل من فمه على رقبته كما
أن رائحة هذه النباتات تحد من العدوى البكتيرية عندما يقبل أحد الأقارب هذا الطفل
وإذا نظرنا إلى الصبايا بين سن الزواج وقبله لوجدناهن يلبسن أحلى العقود من
الياسمين والفل، ويزين رؤوسهن بالرياحين والمواد العطرية الأخرى، من أجل أن
يجذبن الانتباه إليهن من خلال هذه الروائح الفواحة.
ونلاحظ الزوجات وأغلب الفتيات وكذلك المتزوجات يلبسن أحلى حلة من الأزهار
التي تخاط بشكل جميل، حيث تغطى الرؤوس والصدور بمختلف عقود الأزهار.
وقد اعتاد أهالي الزوج والزوجة أن يضعوا تحت وسائد العريس والعروسة ليلة
دخلتهم أنواعاً من الأزهار والنباتات العطرية التي تشعل في الزوج الهمة وتعطي
الغرفة رائحة فواحة، ما يجعل الزوجان يشعران بمتعة ليس بعدها متعة. لقد كان
الطبيب إدوارد باتش وهو طبيب إنجليزي أول من بدأ باستعمال الزهور وخلاصاتها
في العلاج، ففي بداية الثلاثينيات من القرن العشرين اكتشف د. باتش أن كثيراً من
مرضاه قد أظهروا مختلف الصعوبات العاطفية والنفسية قبل ظهور المرض الجسدي
حيث لاحظ أن ردود الأفعال نفسها تلك، مثل الغضب والخوف والقلق والغيرة، يمكن
أن تسبب مضاعفات للاضطرابات الجسمانية ما يجعلها أصعب في العلاج.
ونظراً لاهتمام د. باتشان بالآثار الجانبية للعقاقير، فقد بحث في الطبيعة عن حل
لمشكلة العلاج العاطفي، واكتشاف في نهاية الأمر نحو28 نباتاً وشجرة مزهرة
قد نجحت في تخفيف نطاق واسع من الصعوبات العاطفية والنفسية، وأصبحت
تلك الثمانية والثلاثون علاجاً زهرياً يستخدم في شتى أنحاء العالم. إذا عدنا إلى
استخدام الزهور في علاج الصعوبات العاطفية والنفسية، فإن لدينا أمثلة حية في
منطقة جازان ومنطقة فيفا في جنوب المملكة العربية السعودية حيث تحتل النباتات
العطرية أعظم المشاكل العاطفية والنفسية، فهم يستخدمونها بشكل مستمر طوال
السنة، ولذلك نادراً ما تجد مصابين بحالات عاطفية أو نفسية. إن نوعاً من أزهار
بعض النباتات في منطقة فيفا في جنوب المملكة تشد نفسيات المواطنين في موسم
إزهارها، حيث يبتهج الناس في تلك المنطقة وبالأخص الفتيات والفتيان، ويشعرون
أن هذه الأزهار في ذلك الموسم تشحذ عواطفهم ونفسياتهم بالسعادة، وقد أصبح
ذلك الموسم موسم الزواجات، حيث تؤجل الزواجات إلى ظهور أزهار ذلك النبات
الذي يعد بالنسبة لهم موسم سعادة حتى إن الشباب الذين سيعقدون زواجاتهم يعدون
الساعات والأيام لظهور أزهار ذلك النبات الذي يعرف باسم نبات العدنة. لقد أثارت
المعالجة بالأزهار اهتماماً حماسياً بين أوروبا ثم في أميركا الشمالية.