بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم ليبلّغَ دين الإسلام ويدعو الناس
إلى الدخول فيه، ولم يكن هذا النبي العظيم كغيره من البشر، إنّما كان على خلق
عظيم يليق بمقام الدعوة وتهيّئه ليكون خيرَ رسولٍ وخير قدوة ومن هذه الأخلاق
خلقُ الرحمة الذي تمتّع به عليه الصلاة والسلام في شتى المواقف، واستطاع به
جذب قلوب الناس إلى الهداية والصواب وهذه الرحمة شملت الخلقَ جميعاً، المسلم
والكافر البشر والشجر والحجر والبهائم وسائر المخلوقات.
من مظاهر رحمة الرسول عليه السلام:
@ رحمته بالضعفاء : كان أبو مسعود البدري صلى الله عليه وسلم يضرب
غلاماً له ، فرآه النبيصلى الله عليه وسلم ونهاه عن ذلك. أيضاً عندما افتقد
المرأة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد، فسأل عنها فأخبروه أنّها ماتت فطلب
عليه الصلاة والسلام الذهاب إلى قبرها وصلى عليها. وهذا دليل على حرصه
ورحمته عليه الصلاة والسلام بكلّ الفئات، سواء كان المجتمع يعبأ بها أو لا.
@ رحمته بذوي الاحتياجات الخاصة: كان يقدم لهم الرعاية الصحية والنفسية
والتعليمية والتوظيفية، كما كان يزورهم ويهتمّ بشؤونهم ويقضي حوائجهم.
2رحمته بالمسنّين: فقد دعا عليه الصلاة والسلام الشبابَ إلى إكرام ذي الشيبة
المسلم وجعله من إجلال الله تعالى، وهذا الإكرام يشمل العون الصحي، والنفسي
والمادي والمعنوي كما جعل للمسنّ أحكاماً خاصّة في الشريعة تخفّف عنه رحمةً
بكبره
@ رحمته بالأطفال: كان يتعامل بمنتهى اللطف واللين مع أبنائه وأحفاده، فقد
كان يقبّل الحسن والحسين ويلاعبهما، كما بكي لفراق ابنه الصغير إبراهيم، يمرّ
بالأطفال يسلّم عليهم ويداعبهم.
@ رحمته بالبهائم: إذ كان ينهى عن تعذيب الحيوانات وتجويعها وتحميلها
ما لا تحتمل، من ذلك قصة الجمل الذي رآه عليه الصلاة والسلام قد ذرفت
عيناه، فذهب إليه ومسح ذفريه فسكت الجمل وهدأً، فأمر صلى الله عليه
وسلم صاحب الجمل بأن يتّقي الله فيه.
@ رحمته بالمخطئين : لم يكن يعنّف أو يزجر من يرتكب خطأً، إنّما كان
يأخذه بحلمه ورأفته وينصحه بالحسنى، كذلك الشاب الذي دخل عليه يستأذنه
بالزنا، فرغم عظم هذه المعصية واستحقاقها حداً من حدود الله تعالى، إلّا أنه
عليه الصلاة والسلام أخذ يحاور الشاب ويقنعه بالإعراض عن ذلك الفعل المنكر
الشنيع، فكانت النتيجة أن دخل الشاب عليه وليس شيءٌ أحبَّ إليه من الزنا،
وخرج من عنده وليس شيءٌ أبغضَ إليه من الزنا، كل ذلك بسبب رحمته عليه
الصلاة والسلام وتألفه للقلوب.
@ رحمته بالكفار: كان دائم الدعاء لربّه بهدايتهم وردّهم إلى الرشد والصواب
ودخولهم في دين الله؛ رأفةً بهم من العذاب ودخول النار وذلك رغم الأذى العظيم
المتكرر الذي كان ينزل عليه منهم، ورغم محاربتهم له بكل شراسة ومحاولاتهم
المتكررة لقتله، وقد ظهر ذلك جلياً في فتح مكة عندما عفا عنهم وأطلقهم