ما أكفره....

يحاربُ الإنسانُ في هذه الدنيا ليفوز فيها الفوز المبين ويقتطف من

خيراتها ما يطاوعهُ وبين يديه يلين، لا يسألُ كثيراً عن حلالها والحرام

فهذا ليس وقتها والحين، وهو غيرُ مدركٍ بأن مباغتة الموت مقدّرةٌ في

"كن" وأيّ حرفين.
يناد المنادي للصلاة ونذهبُ إليها مذعنين طائعين استجابةً لنداء السماء،

ولكننا كثيراً ما نفقد المغزى منها وسرعانَ ما نتيه فيها بين جنبات أفكارنا

الدنيوية، ويطيبُ لنا ونحنُ بين يدي ربنا أن نرتع في أمورنا الحياتية متناسين

أنّه "الله أكبر" أي أكبرُ من كل ما تعانيه وتجده وربما تمجّده، ولكننا أمكنا

أنفسنا لشيطان الحياة فأحكم حلقاته علينا، واستنصرناه على هممنا فنصرنا

عليها، ولستُ أستثني نفسي من ذلكم، فتلكم الدقائق المعدودة للصلاة تجيشُ

فيها عواصفُ أفكارٍ من حيثُ ندري ولا ندري، ونغيبُ فيها عن المقصد الرئيس

للصلاةِ وهو الخشوعُ والخضوعُ لرب العالمين حتى لكأننا نكادُ لا نذكرُ ما فعلنا

ما بين التكبيرة والسلام.
وفي خضم تلكم العاصفة الهوجاء، صحى فكري على آيةٍ يقرأها الإمام "قُتِلَ

الإنسانُ ما أكفره"، وبعيداً عن المعنى الخاص أو العام للآية، فإن الله سبحانه

وتعالى يُقررُ فيها أنّ الإنسانَ كفورٌ بطبعه، جاحدٌ بتركيبته "إلا من هدى الله".
شردتُ بعيداً بعقلي في هذه الآية الكريمةِ، وتفكرتُ في احوال الناس فرأيتُ

معنى أن يكونَ الأنسانُ كفوراً لنعمِ خالقه،
إنسانٌ يستأمنهُ الله على قوتِ فقير فيأكلهُ لا من حاجةٍ ... ما أفقره
إنسانٌ يعطيه الله جاهً ومنصباً فيتسلط بهما على غيره ... ما أحقره
إنسانٌ يمده الله بالصحة فيسافر بها في الحياة ليعصيه ... ما أستره؟
إنسانٌ يدور الكون كله لأجلك وأنت تأبى أن تفهمه ... ما أيسره
إنسانٌ تشهدُ المخلوقاتُ العُجمُ لربها بالجلال وأنت أنت... ما أنكره
إنسانٌ حانت ساعته فقال رب ارجعون، قُتلَ الإنسانُ ... ما أكفره