الملاحظ في القرآن الكريم أنّه لم يتحدّث عن الجمال كقيمة
وأنّه لم يتحدّث عنه في النسـاء ، بل تحدّث عنه في الرجال
فهذا «يوسُف» الذي خلب لبّ امرأة العزيز التي شغفها حبّاً
كان شابّاً جميلاً في منتهى الحسن والجمال حتّى أنّ نسوة المدينة
قطّعن أيديهنّ لمرآه وهو يطلّ عليهنّ بوجهه الملائكي الباهر الحسن .
" يوسف " نفسُه لم يلتفت إلى جماله كقيمة ليُصـاب بالغروركونه أجمل
أهل الأرض جميعاً ، ولم يستسلم للإغراء بوحي من أنّه محبوب ومطلوب
لجماله فلقد تحدّث القرآن عن جمالات أخرى في" يوسف" تحدّث عن عفافه
واعتصامه بحبل الله
وعن أمانته ودعوته لله ، وعن تأويله للرؤيا
وعن قدرته في إدارة الخزينة
ليلفت انتباهنا إلى أنّ القيم الحقيقية والجمال الحقيقي
الذي قد يفنى الجمال الظاهريُّ ويبقى هو هذه القيم
التي لا ينبغي أن يشغلنا حسنُ يوسف
أو أي جميل وجميلة عن التفكير بها
فالحسنُ ـ أي حسن الخلقة
هو هبة الله لعبده ولا إرادة للعـبد فيه
أمّا حُسن الخُلُق فهو صناعة الإنسان نفسه
وتتويج من توفيق الله وهدايته
ولذا فإنّ الحسن الثاني أدعى إلى الإعجاب والثناء
من شيء لا دخل لنا فيه إلاّ بمقدار ما ندخله
من بعض التحسينات الطفيفة
أي أنّ مجال الحسن الأوّل ضيّق محدود
وأمّا مجال الحسن الثاني فواسع عريض
وقابل للتنمية والإثراء والتطوير
وسترون أنّ الفضائل كلّها ـ بلا استثناء ـ جميلة
وأنّ الرذائل كلّها ـ بلا استثناء ـ قبيحة
وقد نختلف في تقييم جمال فتاة أو وسامة شاب
لأنّ لكلّ أمّة مقاييسها فيما هو الجمال
ولأنّ الجمال الظاهري أمر نسبيّ ، لكنّ الأمم لا تختلف
في أنّ الحبّ جمال ، والعفو جمال ، والعفّة جمال
والمعروف جمال ، والخير جمال ، والحقّ جمال
والتعاون جمال ، والكرم جمال ، والشجاعة جمال
والتواضع جمال ، والإحسان جمال .
كما أنّها لا تختلف في أنّ الكذب قبيح
وأنّ السرقة قبيحة ، وأنّ الاعتداء على الشرف قبيح
وأنّ التكبّر والتجبّر قبيحان ، وأنّ العدوان على السلامة
الخاصّة والعامّة قبيح ، وأنّ التلاعب بالقانون
ومخالفة الأنظمة قبيح ، وعقوق الوالدين قبيح
والغش قبيح .