"ولو أنما فى الأرض من شجرةٍ أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت
كلمات الله.."
كان فى الماضى يُخيل لى بأن هذه الآية هى صيغة مبالغة لكلمات الله . وكان ذلك
التخيل ينتج عندما أتخيل عودا أقطعه من شجرة من غابات الأمازون وأغمسه فى
المحيط الأطلنطى ، وقد تحول إلى حبرٍ أزرق ، وأبدأ أكتب به . وكلما جف الحبر
اغمسه ثانيةً وأكتب . فإذا صغر القلم ألقيته وقطعت عودا آخر وأستأنفت الكتابة...
يا للهول هل يُعقل أن ينفد المحيط وأنا أكتب ؟
ثم أعود فأسأل نفسى : وماذا كتبت أنت ؟ هب أنى بدأت بكتابة أسماء الأشجار
فى حوض الأمازون نفسها . كم سأستغرق فى كتابة إسم كل شجرة وفصيلتها
وعائلتها ؟ وكلها كلماتٌ لله الذى أنبتها ، وكم سأستغرق فى كتابة أسماء العصافير
التى تعيش بداخلها ، وأنواعها وفصائلها وهى أيضا من كلمات الله خالقها .
وأسماء وفصائل كل الحيوانات التى تعيش داخل أحراش الأمازون بعرض قارة
أمريكا الجنوبية . وأسماء كل الزواحف على شواطئ نهر الأمازون والحشرات
فى جروفه وأشجاره هى كلها من كلمات الله . وأسماء أنواع النمل الذى يدب
على أرض الأمازون ، السامّ منها وغير السامّ ، وأنواع الأسماك التى تعيش فى
مياهه هى أيضا كلماتٌ لله ، فهى جميعا بعض خلقه . فمتى ستُنهى كلمات الله
فى حوض الأمازون فقط ؟
لم انتقل بعد إلى غابةٍ أخرى . لم انتقل إلى غابات فيتنام وكمبوديا ، وسائر الغابات
المطيرة فى الهند وآسيا وافريقيا واستراليا وبقية العالم . وأينما ذهبت يوجد ما لا
يُحصى ولا يُعد من أنواع وفصائل الطير والحيوان والزواحف والحشرات والسمك
والنباتات والزهور..إلخ إلخ . وفى كل عائلة من حشرةٍ أو نباتٍ أو حيوانٍ ألوفٌ من
الأفراد كل واحدٍ منها كلمة من كلمات الله . لم أذهب بعد إلى الطبيعة فأدون أسماء
العناصر والمواد . لم أذهب بعد إلى السموات والمجرات المرئية وبلايين النجوم
والكواكب والأقمار والنيازك التى تسبح فيها ، والمجرات غير المرئية وكواكبها .
وكل منها كلمة من كلمات الله وأشياء فى باطن الأرض وأشياء فى أعماق المحيطات
وحتى ذرات الرمال فى الصحارى لم تأت من عدم فهى كلماتٌ لله . وكل شيئٍ خلقه
الله يُعد كلمة من كلمات الله . فأضحك ساخرا من نفسى لمجرد التفكير فى تدوين
كلمات الله فى بقعةٍ واحدةٍ ، ناهيك عن الكرة الأرضية ، ناهيك عن الكون كله ،
واستغفر الله العظيم .
منقول